الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4536 ص: وقد روي عن فاطمة بنت قيس في حديثها معنى غير ما ذكرنا؛ وذلك أن أبا شعيب البصري صالح بن شعيب حدثنا، قال: ثنا محمد بن المثنى الزمن، قال: ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن فاطمة بنت قيس قالت: "قلت: يا رسول الله، إن زوجي طلقني وهو يريد أن يقتحم علي، فقال: انتقلي عنه". .

                                                فهذه فاطمة تخبر في هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- إنما أمرها أن تنتقل حين خافت زوجها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى أنه قد روي في سبب انتقال فاطمة بنت قيس من بيتها في عدتها، وفي قوله -عليه السلام-: "لا سكنى لك" معنى غير المعاني المذكورة، وهو أن زوجها كان يريد أن يقتحم عليها، فأعلمت بذلك رسول الله -عليه السلام- فأمرها بالانتقال خوفا عليها من اقتحام زوجها عليها، أي من دخوله عليها.

                                                [ ص: 138 ] يقال: اقتحم النهر أي دخله، ويقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى بنفسه فيه من غير روية وتثبت.

                                                وأخرج الحديث المذكور بإسناد صحيح، عن صالح بن شعيب بن أبان الزاهد البصري نزيل مصر ، عن محمد بن المثنى بن عبيد الحافظ المعروف بالزمن شيخ الجماعة، عن حفص بن غياث ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم عن محمد بن مثنى، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: ثنا هشام ، عن أبيه، عن فاطمة بنت قيس قالت: "قلت: يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثا وأخاف أن يقتحم علي، قال: فأمرها فتحولت".

                                                قال ابن حزم : قوله: "فأمرها فتحولت" ليس من كلام النبي -عليه السلام- ولا من كلام فاطمة؛ لأن نصه: "قال: فأمرها فتحولت" يصح أنه من كلام عروة، ولا يخلو هذا الخبر من أن يكون لم يسمعه عروة عن فاطمة فيكون مرسلا، ويوضح ذلك أنه حدثنا به يونس بن عبد الله بن مغيث، قال: ثنا محمد بن أحمد بن خالد، ثنا أبي، نا محمد بن وضاح، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: "قالت فاطمة بنت قيس: يا رسول الله، إني أخاف أن يقتحم علي، فأمرها أن تتحول".

                                                فإن كان هذا هو أصل هذا الخبر فهو منقطع، ولا حجة في منقطع.

                                                أو يكون عروة سمعه من فاطمة فلا حجة فيه أيضا؛ لأنه ليس فيه أن رسول الله -عليه السلام- قال: إنما آمرك بالتحول من أجل خوفك أن يقتحم عليك، وإذا لم يقل -عليه السلام- هذا فليس يحل لمسلم يخاف النار أن يقول إنه -عليه السلام- إنما أمرها بالتحول من أجل ذلك؛ لأنه إخبار عن النبي -عليه السلام- بما لم يخبر به عن نفسه.

                                                [ ص: 139 ] قلت: كل ما ذكره تنقضه رواية الطحاوي؛ لأنه صرح فيها بأنه -عليه السلام- قال لها: "انتقلي" فافهم.




                                                الخدمات العلمية