الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4627 ص: فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عنه ابن عمر في هذا الحديث أن تتحرى في العشر الأواخر، كما أمر فيما قد روينا عنه قبل هذا من حديث ابن عمر أيضا أن تتحرى في السبع الأواخر، فلم يكن ما روي عنه من أمره إياهم بالتماسها في السبع الأواخر ما ينفي أن تكون تلتمس أيضا فيما قبله من العشر الأواخر، فلم يدلنا ما روي عن ابن عمر أنها في السبع الأواخر دون سائر الشهر، إلا أنه قد يجوز أن يكون السبع الأواخر أمر بالتماسها فيها بعدما أمر بالتماسها في العشر الأواخر على ما في حديث أبي ذر، فتكون السبع الأواخر تتحرى دون ما سواها من [ ص: 231 ] الشهر، وذلك تحر لا حقيقة معه، فأردنا أن نعلم هل روي عن ابن عمر عن النبي -عليه السلام- ما يدل على ذلك؟ فإذا بكر بن إدريس قد حدثنا، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عقبة بن حريث ، قال: سمعت ابن عمر يقول: عن النبي -عليه السلام- قال: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن عجز أحدكم أو ضعف فلا يغلبن عن السبع البواقي". .

                                                فدل ما ذكرنا من هذا عن ابن عمر عن النبي -عليه السلام- أنها قد تكون في السبع الأواخر أحرى من أن تكون فيما قبله في العشر الأواخر.

                                                وأما ما ذكرناه عن عبد الله بن أنيس؛ فإن فيه الأمر من رسول الله -عليه السلام- له أن يلتمسها ليلة ثلاث وعشرين، فاحتمل أن تكون تلتمس في كل شهر رمضان في تلك الليلة بعينها، فإن كان ذلك كذلك فقد يجوز أن تكون قبل السبع الأواخر، فيخرج ذلك مما أمر فيه بالتماسها في السبع الأواخر؛ لأن الشهر قد يجوز أن لا ينقص عن ثلاثين، فتكون تلك الليلة أو ثمان يبقين، فدل على معنى ما أشكل من ذلك ما قد رويناه فيما قد تقدم من هذا الباب، عن عبد الله بن أنيس: " أن رسول الله -عليه السلام- إنما أمره بذلك في شهر كان تسعا وعشرين، فكانت الليلة أول سبع لا أول ثمان، فقد دخل ذلك أيضا فيما أمر فيه بالتماس تلك الليلة في السبع الأواخر، وذلك كله على التحري، لا على اليقين".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا كله بيان التوفيق بين ما روي عن ابن عمر من الروايتين:

                                                إحداهما: تحريها في العشر الأواخر.

                                                والأخرى: تحريها في السبع الأواخر.

                                                وبين ما روي عن عبد الله بن أنيس من تحريها ليلة ثلاث وعشرين، وذلك كله ظاهر يعلم بالتأمل.

                                                والحقيقة في هذا الباب أن هذا الاختلاف فيه بحسب اختلاف السنين، فكل واحد منهما يجعل في سنة وعلى تمام الشهر ونقصانه.

                                                [ ص: 232 ] فعلى هذا يأتي أنها ليست في ليلة معينة أبدا وأنها تنتقل في الأعوام، فمن ذلك قيل: في رمضان كله، وقيل: في العشر الأواخر منه، وبحسب هذا ما اختلف العلماء في ذلك كما ذكرنا فيما مضى.

                                                قوله: "فأردنا أن نعلم ... " إلى آخره. إشارة إلى إيضاح ما ذكره من وجه التوفيق، بيانه: أنه لما قال: إن رواية ابن عمر من أمره -عليه السلام- بالتماسها فيما قبله من العشر الأواخر. ولا دل هذا أيضا أنها في السبع الأواخر دون سائر الشهر، ولكن يجوز أن يكون أمره -عليه السلام- بالتماسها في السبع الأواخر بعد أمره بالتماسها في العشر الأواخر كما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-؛ فإنه أمر فيه أولا بالتماسها في العشر الأواخر، ثم قال: "التمسوها في السبع الأواخر" واقتصر على هذا حتى قال لأبي ذر: "لا تسألني عن شيء بعدها" وكان قد غضب عليه كما ذكرنا فيما مضى، فعلى هذا يكون التحري في السبع الأواخر دون ما سواها من الشهر، ولكن هذا تحر لا حقيقة معه، فنظرنا في ذلك فوجدنا رواية عقبة بن حريث التغلبي الكوفي -من رجال الصحيح- عن ابن عمر، دلت على أنها قد تكون في السبع الأواخر أحرى وأولى، أن تكون فيما قبله في العشر الأواخر.

                                                ورجال حديثه كلهم ثقات.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن مثنى، قال: أنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة ، عن عقبة -وهو ابن حريث- قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: "التمسوها في العشر الأواخر -يعني ليلة القدر- فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي".

                                                قوله: "فلا يغلبن" على صيغة المجهول المؤكد بالنون الثقيلة.

                                                قوله: "وأما ما ذكرناه عن عبد الله بن أنيس ... " إلى آخره. بيان وجه التنصيص على ثلاث وعشرين، ووجه توفيقه مع غيره من الروايات على ما تقدم.




                                                الخدمات العلمية