الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5550 5551 5552 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله -عليه السلام- كما ذكرنا، ولم يذكر فيها لخيار المشتري وقتا، وقد روي عنه أنه جعل الخيار له في ذلك ثلاثة أيام.

                                                حدثنا بذلك أبو أمية ، قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، قال: ثنا ابن المبارك ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام-: "أنه نهى عن بيع الشاة وهي محفلة، ، فإذا باعها فإن صاحبها بالخيار ثلاثة أيام؛ فإن كرهها ردها ورد معها صاعا من تمر".

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن ، أن سهيل بن أبي صالح أخبره، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي -عليه السلام- قال: من [ ص: 434 ] ابتاع شاة مصراة ، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، فإن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر".

                                                حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب وهشام وحبيب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله -عليه السلام- ... مثله، غير أنه قال: "ردها وصاعا من طعام لا سمراء".

                                                التالي السابق


                                                ش: لما كانت أحاديث المصراة على نوعين:

                                                نوع منها مطلق عن ذكر مدة الخيار وبه أخذ بعض المالكية وحكموا فيه بالرد مطلقا.

                                                ونوع منها مقيد بذكر مدة الخيار ثلاثة أيام، وبه أخذت الشافعية على ما نبينه إن شاء الله تعالى.

                                                أشار الطحاوي إلى النوعين المذكورين، وأشار إلى النوع الأول بقوله: "فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله -عليه السلام- كما ذكرنا"، وإلى النوع الثاني بقوله: "وقد روي عنه" أي النبي -عليه السلام- "أنه جعل الخيار له في ذلك" أي للمشتري في شراء المصراة "ثلاثة أيام" وبين ذلك بقوله: "حدثنا بذلك أبو أمية ... " إلى آخره.

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، عن عبد الله بن جعفر بن غيلان القرشي الرقي الثقة، عن عبد الله بن المبارك ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه العدني في "مسنده": نا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال النبي -عليه السلام-: "لا تصروا الإبل والغنم للبيع، فمن اشترى من ذلك شيئا فهو بالخيار ثلاثا، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر".

                                                [ ص: 435 ] الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم : نا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا يعقوب -يعني ابن عبد الرحمن- القاري ، عن سهيل ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي ، وأبو صالح اسمه ذكوان الزيات.

                                                الثالث: عن نصر بن مرزوق ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني وهشام بن حسان وحبيب بن الشهيد، ثلاثتهم عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البيهقي : من حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب وهشام وحبيب ، عن محمد ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه مسلم : عن محمد بن عمرو ، عن أبي عامر ، عن قرة ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- قال: "من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء".

                                                وأخرجه الترمذي : عن محمد بن بشار ، عن أبي عامر ، عن قرة بن خالد ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه النسائي : عن محمد بن منصور ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن محمد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع محفلة أو مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أن يمسكها أمسكها، وإن شاء أن يردها ردها وصاعا من تمر لا سمراء".

                                                [ ص: 436 ] ولما أخرج الترمذي : هذا الحديث عن أبي هريرة قال: وفي الباب عن أنس، ورجل من أصحاب النبي -عليه السلام-.

                                                قلت: وفي الباب عن ابن عمر -رضي الله عنه-.

                                                أما حديث أنس فأخرجه البيهقي : من حديث إسماعيل بن مسلم، وهو واه عن الحسن ، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اشترى شاة محفلة فإن لصاحبها أن يحلبها، فإن رضيها فليمسكها، وإلا فليردها وصاعا من تمر".

                                                وأما حديث رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فأخرجه البيهقي أيضا : من حديث يزيد، أنا شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن رجل، عن النبي -عليه السلام-: "أنه نهى أن تتلقى الأجلاب وأن يبيع حاضر لباد، ومن اشترى مصراة فهو بخير النظرين، فإن حلبها ورضيها أمسكها، وإن ردها رد معها صاعا من طعام، أو صاعا من تمر".

                                                وأما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فأخرجه أبو داود : ثنا أبو كامل، قال: نا عبد الواحد، قال: ثنا صدقة بن سعيد ، عن جميع بن عمير التيمي، قال: سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: "من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام؛ فإن ردها رد معها مثل -أو مثلي- لبنها قمحا".

                                                وأخرجه البيهقي : وقال: قال البخاري : جميع فيه نظر.

                                                قلت: ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين، وحسن له الترمذي حديثا وذكره ابن حبان في "الضعفاء" أيضا، وقال: كان رافضيا يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية