5628 ص: فإن قال قائل: إن الثمار لا تشبه سائر البياعات، لأنها معلقة في رءوس النخل، لا تصل إليها يد من ابتاعها إلا بقطعه إياها، وسائر الأشياء ليست كذلك، [ ص: 535 ] فما يكون مقبوضا بغير قطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال المشتري، وما كان لا يقبض إلا بقطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال البائع.
قيل له: هذا الكلام فاسد من وجهين:
أما أحدهما: فإنا رأينا هذه الثمار إذا بيعت في رءوس النخل فذهبت بكمالها أو ذهب منها شيء في أيدي باعتها؛ ذهب ذلك من أموالهم دون أموال المشتري.
فكان ذهاب قليلها وكثيرها في ذلك سواء؛ لأنهم لم يقبضوها، فإذا قبضوها فذهب منها ما دون الثلث؛ فقد أجمع أنه ذاهب من مال المشتري؛ لأنه ذهب بعد قبضه إياه.
فلما استوى ذهاب قليله وكثيره في يد البائع، وكان قليله إذا ذهب في يد المشتري ذهب من ماله؛ كان كثيره كذلك، وكان المشتري بتخلية البائع بينه وبين ثمر النخل قابضا له، وإن لم يقطعه. فهذا وجه.
ووجه آخر: أنا رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن وأجمع المسلمون على ذلك، وكانت الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم، وأجمعوا أن المشتري لها لو باعها في يد بائعها كان بيعه باطلا، ولو باعها بعد أن خلى البائع بينه وبينها ولم يقطعها كان بيعه جائزا، فصار قابضا لها بتخلية البائع بينه وبينها قبل قطعه إياها. بيع الطعام حتى يقبض،
فثبت بذلك أن هو بتخلية البائع بينه وبينها وإمكانه إياه منها، فإذا فعل ذلك به فقد صارت في يده وفي ضمانه وبرئ منها البائع، فما حدث فيها من جائحة أتت عليها كلها أو على بعضها فهي ذاهبة من مال المشتري لا من مال البائع. قبض المشتري للثمار في رءوس النخل
وهذا قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.