5642 5643 5644 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ذلك النهي قد وقع على الطعام وغير الطعام، وإن كان المذكور في الآثار التي ذكر ذلك النهي فيها هو الطعام.
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال: ثنا ابن إسحاق ، عن أبي الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ابتعت زيتا بالسوق، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت إليه، فإذا زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؛ فإن رسول الله -عليه السلام- نهانا أن نبيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم". .
فلما أخبر زيد -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه السلام- بأن الزيت قد دخل فيما كان نهي عن بيعه قبل قبضه -وهو غير الطعام الذي كان ابن عمر علم من رسول الله -عليه السلام- النهي عن منعه بعد ابتياعه حتى يقبض، وعمل ابن عمر على ذلك، فأراد بيع الزيت قبل قبضه، لأنه ليس من الطعام، فقبل ذلك منه ابن عمر -رضي الله عنهما-، ولم يكن ما كان سمع من رسول الله -عليه السلام-مما ذكرناه عنه في أول هذا الباب من قصده إلى الطعام- بمانع [ ص: 545 ] أن يكون غير الطعام في ذلك بخلاف الطعام، ثم أكد زيد بن ثابت -رضي الله عنه- الأمر في ذلك، فقال: "كان رسول الله -عليه السلام- ينهانا عن ابتياع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فجمع بذلك كل السلع، وفيها غير الطعام.
فدل ذلك على أنه لا يجوز بيع شيء ابتيع إلا بعد قبض مبتاعه إياه، طعاما كان أو غيره، وقد قال ابن عباس: -رضي الله عنهما-، وقد علم من رسول الله -عليه السلام- قصده بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام ما حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال: "أما الذي نهى عنه رسول الله -عليه السلام- فبيع الطعام قبل أن يستوفى، قال ابن عباس: برأيه: وأحسب كل شيء مثله".
فهذا ابن عباس: لم يمنعه قصد النبي -عليه السلام- بالنهي إلى الطعام أن يدخل في ذلك النهي غير الطعام.
وقد روي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مثل ذلك أيضا:
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير، عن جابر: "في الرجل يبتاع البيع فيبيعه قبل أن يقبضه، قال: أكرهه".
فهذا جابر -رضي الله عنه- قد سوى بين الأشياء المبيعة في ذلك، وقد علم من رسول الله -عليه السلام- قصده -بالنهي عن البيع فيه حتى يقبض- إلى الطعام بعينه، فدل ذلك على ما قد تقدم وصفنا لذلك.


