[ ص: 407 ] كتاب . أدب القاضي
( قال ) أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا تسرع ملالته فيه وأنا لإقامة الشافعي أكره . الحد في المسجد
( قال ) ومعقول في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { الشافعي } أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا يتغير فيها خلقه ولا عقله ، والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أو خلقه انبغى له أن لا يقضي حتى يذهب وأي حال صار إليه فيها سكون الطبيعة واجتماع العقل حكم ، وإن غيره مرض أو حزن أو فرح أو جوع أو نعاس أو ملالة ترك وأكره له لا يحكم الحاكم ولا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان خوف المحاباة بالزيادة ويتولاه له غيره . البيع والشراء
( قال ) ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة إما أن يجيب كلا وإما أن يترك كلا ويعتذر ويسألهم التحليل ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي مقدم الغائب ، وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه فإن عاد زجره ولا يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجبه ويشاور قال الله عز وجل { وأمرهم شورى بينهم } وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { وشاورهم في الأمر } قال الحسن إن كان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده ولا يشاور إذا نزل به المشكل إلا عالما بالكتاب والسنة والآثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب ولا يقبل وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له من حيث لم تختلف الرواية فيه أو بدلالة عليه أو أنه لا يحتمل وجها أظهر منه .
( قال ) رحمه الله : فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويجمع المختلفين ; لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض وإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي أن يقضي ولا لأحد أن يستقضيه ولا يجوز له أن يستحسن بغير قياس ، ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين والقياس قياسان أحدهما أن يكون في معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه والآخر أن يشبه الشيء الشيء من أصل ويشبه الشيء من أصل غيره فيشبهه هذا بهذا الأصل ويشبهه الآخر بأصل غيره وموضع الصواب في ذلك عندنا أن ينظر فإن أشبهه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذي أشبهه في الخصلتين ، قال الله عز وجل في الشافعي داود وسليمان { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر
( قال ) فأخبره أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر فلا يكون الثواب فيما لا يسع ولا في الخطأ الموضوع ( قال الشافعي ) : أنا أعرف أن المزني قال : لا يؤجر على الخطأ وإنما يؤجر على قصد الثواب وهذا عندي هو الحق ( قال الشافعي ) رحمه الله : الشافعي فسواء فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده ، وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده وليس على القاضي أن يتعقب حكم من قبله وإن تظلم محكوم عليه ممن قبله نظر فيه فرده أو أنفذه على ما وصفت . من اجتهد من الحكام فقضى باجتهاده ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره
وإذا لم تقبل الترجمة عنه إلا بعدلين يعرفان لسانه ، وإذا تحاكم إليه أعجمي لا يعرف لسانه كتب حلبة كل رجل ورفع في نسبه إن كان له أو ولاية إن كانت له وسأله عن صناعته وكنيته إن كانت له وعن مسكنه وعن موضع بياعته ومصلاه . شهد الشهود عند القاضي
( قال ) رحمه الله : وأحب إذا لم يكن لهم سدة عقول أن [ ص: 408 ] يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع ومن فيه ليستدل على عورة إن كانت في شهادته ، وإن جمعوا الحال الحسنة والعقل لم يفعل بهم ذلك وأحب أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف عليهم أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية أو المماطلة للناس ، وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه فيخفي حسنا ويقول قبيحا فيكون جرحا ويسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون تعديلا . الشافعي
ويحرص على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له وأن يكتب لأصحاب المسائل صفات الشهود على ما وصفنا وأسماء من شهد له وشهد عليه ومبلغ ما شهدوا فيه ثم لا يسألون أحدا حتى يخبروه بمن شهدوا له وعليه وبقدر ما شهدوا فيه فإن المسئول قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير ، ولا يقبل المسألة عنه ولا تعديله ولا تجريحه إلا من اثنين ويخفي عن كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف فإن اتفقت بالتعديل أو التجريح قبلهما ، وإن اختلفت أعادها مع غيرهما وإن عدل رجل بشاهدين وجرح بآخرين كان الجرح أولى ; لأن التعديل على الظاهر والجرح على الباطن ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع ولا يقبله من فقيه دين عاقل إلا بأن يقفه على ما يجرحه به ، فإن الناس يتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر والفسق وبالتأويل وهو بالجرح عندهم أولى وأكثر من ينسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعد اليسير الذي لا يكون جرحا ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول : عدل علي ولي ثم لا يقبل حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت باطنة متقادمة وإلا لم يقبل ذلك منه ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا لا يوافق اسم اسما ولا نسب نسبا .
ولا ينبغي أن يتخذ كاتبا حتى يجمع أن يكون عدلا عاقلا ويحرص أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة نزها بعيدا من الطبع . والقاسم في صفة الكاتب عالم بالحساب لا يخدع .
( قال ) ويتولى القاضي ضم الشهادات ورفعها ولا يغيب ذلك عنه ويرفعها في قمطر ويضم الشهادات وحجج الرجلين في مكان واحد مترجمة بأسمائهما والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف له إذا طلبها فإذا مضت سنة عزلها وكتب خصوم سنة كذا حتى تكون كل سنة مفروزة وكل شهر مفروزا ولا يفتح المواضع التي فيها تلك الشهادات إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامته وأن يترك في يدي المشهود له نسخة بتلك الشهادات ولا يختمها ولا يقبل من ذلك ولا مما وجد في ديوانه إلا ما حفظ ; لأنه قد يطرح في الديوان ويشبه الخط الخط ولو الشافعي فلا يبطله ولا يحقه إذا لم يذكره وإن شهدوا عند غيره أجازه ; لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله . شهد عنده شهود أنه حكم بحكم