[ ص: 604 ] باب الفطر والصوم في السفر )
حدثنا الربيع قال ( قال ) قال الله - جل ثناؤه - في فرض الصوم { الشافعي شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فكان بينا في الآية أنه فرض عليهم عدة فجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويحصوا حتى يكملوا العدة وأخبر أنه أراد بهم اليسر ( قال ) وكان قول الله : { الشافعي ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } يحتمل معنيين أحدهما : أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين ويجعل عليهم عددا إذا مضى المرض والسفر من أيام أخر ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاءوا لئلا يحرجوا إن فعلوا وكان فرض الصوم والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا متفرقة .
وقد تنزل الآيتان في السورة مفترقتين فأما آية فلا ; لأن معنى الآية أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره فلم يختلفوا كما وصفت أن آية لم تنزل إلا معا لا مفترقة فدلت سنة رسول الله على أن أمر الله المريض والمسافر بالفطر إرخاصا لهما لئلا يحرجا إن فعلا لأنهما يجزيهما أن يصوما في تينك الحالين شهر رمضان لأن الفطر في السفر لو كان غير رخصة لمن أراد الفطر فيه لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن مالك الزهري عن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن { ابن عباس الكديد ثم أفطر فأفطر الناس معه } وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا رسول الله خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ قال أخبرنا الشافعي عن عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية أن محمد بن عبد الرحمن عبد الله بن سعد بن معاذ قال : قال { جابر بن عبد الله تبوك ورسول الله يسير بعد أن أضحى إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال من هذه الجماعة ؟ قالوا رجل صائم أجهده الصوم أو كلمة نحو هذه فقال رسول الله : ليس من البر أن تصوموا في السفر } أخبرنا كنا مع رسول الله زمان غزوة سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن عن أم الدرداء كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله قال للصائم في السفر : { } أخبرنا ليس من البر أن تصوموا في السفر عن مالك سمي مولى أبي بكر عن عن بعض أصحاب رسول الله أن { أبي بكر بن عبد الرحمن } قال النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر ، وقال تقووا للعدو وصام النبي أبو بكر قال الذي حدثني { بالعرج يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر فقيل : يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت فلما كان رسول الله بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس } . لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا عن عبد العزيز بن محمد جعفر بن محمد عن أبيه عن أن { جابر بن عبد الله مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له : يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا ، فقال : أولئك العصاة } . رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى
وفي حديث الثقة غير الدراوردي عن جعفر عن أبيه عن { جابر مكة فصام وأمر الناس أن يفطروا ، وقال : تقووا بعددكم على عدوكم فقيل له : إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت فدعا بقدح من ماء فشربه ثم ساق الحديث } أخبرنا فخرج رسول الله عام الفتح في رمضان إلى قال أخبرنا الثقة عن الشافعي حميد عن [ ص: 605 ] قال { أنس بن مالك } . سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
أخبرنا عن مالك عن أبيه عن هشام بن عروة أن { عائشة حمزة بن عمرو الأسلمي قال يا رسول الله أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام فقال رسول الله : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر } ( قال ) رحمه الله فقال قائل من أهل الحديث ما تقول في صوم شهر رمضان والواجب غيره والتطوع في السفر والمرض ؟ قلت : أحب الشافعي إن لم يكن يجهد المريض ويزيد من مرضه والمسافر فيخاف منه المرض فلهما معا الرخصة فيه قال : فما تقول في قصر الصلاة في السفر وإتمامها ؟ فقلت قصرها في السفر والخوف رخصة في الكتاب والسنة وقصرها في السفر بلا خوف رخصة في السنة اختارها ، وللمسافر إتمامها فقال : أما قصر الصلاة فبين أن الله إنما جعله رخصة لقول الله : { صوم شهر رمضان في السفر والمرض وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فلما كان إنما جعل لهم أن يقصروا خائفين مسافرين فهم إذا قصروا مسافرين بما ذكرت من السنة أولى أن يكون القصر رخصا لا حتما أن يقصروا لأن قول الله { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } رخصة بينة .
وظاهر الآية في صوم أن الفطر في المرض والسفر عزم ; لقول الله : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } كيف لم تذهب إلى أن الفطر عزم وأنه لا يجزي شهر رمضان من صام مريضا أو مسافرا مع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { } ومع أن الآخر من أمر رسول الله ترك الصوم ، وأن ليس من البر الصيام في السفر عمرا أمر رجلا صام في السفر أن يقضي الصيام قال فحكيت له قلت في قول الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أنها آية واحدة وأن ليس من أهل العلم بالقرآن أحد يخالف في أن الآية الواحدة كلام واحد وأن الكلام الواحد لا ينزل إلا مجتمعا وإن نزلت الآيتان في السورة مفترقتين لأن معنى الآية معنى قطع الكلام ، قال : أجل قلت فإذا صام رسول الله في شهر رمضان وفرض شهر رمضان إنما أنزل في الآية أليس قد علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة ؟ قال : بلى فقلت له ولم يبق شيء يعرض في نفسك إلا الأحاديث ؟ قال : نعم ولكن الآخر من أمر رسول الله أليس الفطر ؟ قال : فقلت له : الحديث يبين أن رسول الله لم يفطر لمعنى نسخ الصوم ولا اختيار الفطر على الصوم ألا ترى أنه يأمر الناس بالفطر ، ويقول { } ويصوم ثم يخبر بأنهم أو أن بعضهم أبى أن يفطر إذ صام فأفطر ليفطر من تخلف عن الفطر لصومه بفطره كما صنع عام تقووا لعدوكم الحديبية فإنه { } قال : فما قوله { أمر الناس أن ينحروا ويحلقوا فأبوا فانطلق فنحر وحلق ففعلوا } ؟ قلت : قد أتى به ليس من البر الصيام في السفر مفسرا فذكر أن { جابر } فاحتمل ليس من البر أن يبلغ هذا رجل بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة وقد أرخص الله له وهو صحيح أن يفطر فليس من البر أن يبلغ هذا بنفسه ويحتمل ليس من البر المفروض الذي من خالفه ثم قال رجلا أجهده الصوم فلما علم النبي به قال : ليس من البر الصيام في السفر فكعب بن عاصم لم يقل هذا قلت : كعب روى حرفا واحدا ساق الحديث ، وفي صوم النبي دلالة على ما وصفت وكذلك في أمر وجابر حمزة بن عمرو : { } وفي قول إن شاء صام وإن شاء أفطر : { أنس } قال فقد روى سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم سعيد أن النبي قال : { } . خياركم الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا الصلاة
قلت وهذا مثل ما وصفت خياركم الذين يقبلون الرخصة لا يدعونها رغبة عنها لا أن قبول الرخصة حتم يأثم به من تركه ، قال فما أمر رجلا صام في السفر أن يعيد قلت : لا أعرفه عنه ، وإن عرفته فالحجة ثابتة بما وصفت لك وأوصل ما نذهب إليه أن ما ثبت عن رسول الله فالحجة لازمة للخلق به وعلى الخلق اتباعه وقلت له من أمر المسافر أن يقضي الصوم فمذهبه والله أعلم أنه رأى الآية حتما بفطر المسافر والمريض ومن رآها حتما قال المسافر منهي عن [ ص: 606 ] الصوم فإذا صامه كان صيامه منهيا عنه فيعيده كما لو صام يوم العيدين من وجب عليه كفارة وغيرها أعادهما فقد أبنا دلالة السنة أن الآية رخصة لا حتم قال فما قول عمر يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله ؟ فقلت روي أنه صام وأفطر فقال ابن عباس أو من روى عن ابن عباس هذا برأيه وجاء غيره في الحديث بما لم يأت به من أن فطره كان لامتناع من أمره بالفطر من الفطر حتى أفطر وجاء غيره بما وصفت في ابن عباس حمزة بن عمرو وهذا مما وصفت أن الرجل يسمع الشيء فيتناوله ولا يسمع غيره ولا يمتنع من علم الأمرين أن يقول بهما معا .