الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الربا وما لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا ولا مؤجلا والصرف سمعت المزني يقول : ( قال الشافعي ) : أخبرني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم } .

( قال ) : ونقص أحدهما التمر والملح وزاد الآخر { فمن زاد أو استزاد فقد أربى } .

( قال الشافعي ) : وهو موافق للأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف وبه قلنا وبها تركنا قول من روى عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما الربا في النسيئة } ; لأنه مجمل وكل ذلك مفسر فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الربا أفي صنفين مختلفين ذهب بورق أو تمر بحنطة ؟ فقال { الربا في النسيئة } فحفظه فأدى قول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤد المسألة .

( قال ) : ويحتمل قول عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء } يعطي بيد ويأخذ بأخرى فيكون الأخذ مع الإعطاء ويحتمل أن لا يتفرق المتبايعان من مكانهما حتى يتقابضا فلما قال ذلك عمر لمالك بن أوس لا تفارقه حتى تعطيه ورقه أو ترد إليه ذهبه ، وهو راوي الحديث دل على أن مخرج { هاء وهاء } تقابضهما قبل أن يتفرقا ، والربا من وجهين . أحدهما : في النقد بالزيادة وفي الوزن والكيل . والآخر : يكون في الدين بزيادة الأجل ، وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المأكول المكيل والموزون ; لأنه في معنى ما سمى ولم يجز أن نقيس الوزن على الوزن من الذهب والورق ; لأنهما غير مأكولين ومباينان لما سواهما وهكذا قال ابن المسيب لا ربا إلا في ذهب أو ورق أو ما [ ص: 174 ] يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب .

( قال ) : وهذا صحيح ولو قسنا عليهما الوزن لزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من ورق ولا أعلم بين المسلمين اختلافا أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شيء ولا يسلم أحدهما في الآخر غير أن من الناس من كره أن يسلم دينارا أو درهما في فلوس وهو عندنا جائز ; لأنه لا زكاة فيه ولا في تبرها ، وإنها ليست بثمن للأشياء المتلفة ، وإنما أنظر في التبر إلى أصله ، والنحاس مما لا ربا فيه ، وقد أجاز عدد منهم إبراهيم النخعي السلف في الفلوس وكيف يكون مضروب الذهب دنانير ومضروب الورق دراهم في معنى الذهب والورق غير مضروبين ولا يكون مضروب النحاس فلوسا في معنى النحاس غير مضروب .

التالي السابق


الخدمات العلمية