الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها فعرفها سنة على أبواب المساجد والأسواق ، ومواضع العامة ، ويكون أكثر تعريفه في الجمعة التي أصابها فيها فيعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ، ويكتبها ، ويشهد عليها فإن جاء صاحبها ، وإلا فهي له بعد سنة على أنه متى جاء صاحبها في حياته أو بعد موته فهو غريم إن كان استهلكها . وسواء قليل اللقطة وكثيرها فيقول من ذهبت له دنانير إن كانت دنانير ، ومن ذهبت له دراهم إن كانت دراهم ، ومن ذهب له كذا ، ولا يصفها فينازع في صفتها أو يقول جملة إن في يدي لقطة فإن كان موليا عليه لسفه أو صغر ضمها القاضي إلى وليه وفعل فيها ما يفعل الملتقط فإن كان عبدا أمر بضمها إلى سيده فإن علم بها السيد فأقرها في يديه فهو ضامن لها في رقبة عبده .

( قال ) : فما وضع بخطه لا أعلمه سمع منه : لا غرم على العبد حتى يعتق من قبل أن له أخذها .

( قال المزني ) : الأول أقيس إذا كانت في الذمة والعبد عندي ليس بذي ذمة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله فإن لم يعلم بها السيد فهي في رقبته إن استهلكها قبل السنة وبعدها دون مال السيد ; لأن أخذه اللقطة عدوان إنما يأخذ اللقطة من له ذمة .

( قال المزني ) : هذا أشبه بأصله ، ولا يخلو سيده من أن يكون علمه فإقراره إياها في يده يكون تعديا فكيف لا يضمنها في جميع ماله أو لا يكون تعديا فلا تعدو رقبة عبده .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وإن كان حرا غير مأمون في دينه ففيها قولان . أحدهما : أن يأمر بضمها إلى مأمون ، ويأمر المأمون والملتقط بالإنشاد بها . والقول الآخر : لا ينزعها من يديه ، وإنما منعنا من هذا القول ; لأن صاحبها لم يرضه .

( قال المزني ) : فإذا امتنع من هذا القول لهذه العلة فلا قول له إلا الأول وهو أولى بالحق عندي وبالله التوفيق .

( قال المزني ) : رحمه الله ، وقد قطع في موضع آخر بأن على الإمام إخراجها من يده لا يجوز فيها غيره وهذا أولى به عندي .

( قال الشافعي ) : والمكاتب في اللقطة كالحر ; لأن ماله يسلم له [ ص: 236 ] والعبد نصفه حر ونصفه عبد فإن التقط في اليوم الذي يكون فيه مخلى لنفسه أقرت في يده وكانت بعد السنة له كما لو كسب فيه مالا كان له ، وإن كان في اليوم الذي لسيده أخذها منه ; لأن كسبه فيه لسيده .

( قال ) : ويفتى الملتقط إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق أن يعطيه ، ولا أجبره عليه إلا ببينة ; لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم { اعرف عفاصها ووكاءها } والله أعلم لأن يؤدي عفاصها ووكاءها معها وليعلم إذا وضعها في ماله أنها لقطة ، وقد يكون ليستدل على صدق المعرف أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه فيمكن أن يكون صادقا ، وإن كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى فله أن يأكله إذا خاف فساده ، ويغرمه لربه .

( وقال ) : فيما وضعه بخطه لا أعلمه سمع منه : إذا خاف فساده أحببت أن يبيعه ، ويقيم على تعريفه .

( قال المزني ) : هذا أولى القولين به ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للملتقط شأنك بها إلا بعد سنة إلا أن يكون في موضع مهلكة كالشاة فيكون له أكله ، ويغرمه إذا جاء صاحبه .

( وقال ) : فيما وضع بخطه لا أعلمه سمع منه : إذا وجد الشاة أو البعير أو الدابة أو ما كانت بالمصر أو في قرية فهي لقطة يعرفها سنة ، وإذ حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوال الإبل فمن أخذها ثم أرسلها ضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية