الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) : هذا قول اليهود، قالوا: ليس علينا في ظلم العرب سبيل; لمخالفتهم إيانا، وادعوا أن ذلك في كتابهم، فأكذبهم الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في معنى (الأمي) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الهاء) في (بعهده) من قوله: (بلى من أوفى بعهده) تعود على اسم الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: على (من) من قوله: (من أوفى) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 76 ] الزجاج : (بلى) ههنا وقف التمام، لأنهم قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، فقال الله: (بلى) ; أي: بلى عليكم فيهم سبيل، وإذا جاءت (بلى) على هذا الوجه من النفي; كانت مكتفية، وإذا جعلت بمعنى الإضراب عن الأول، والاعتماد على ثبات الثاني; لم تكن مكتفية.

                                                                                                                                                                                                                                      (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أنها نزلت في أبي رافع، وكنانة بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب; كتبوا كتابا بما ادعوه من أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل، وحلفوا أنه من عند الله، عن عكرمة والحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج : نزلت في الأشعث بن قيس، أوجب عليه النبي عليه الصلاة والسلام يمينا في أرض ادعيت عليه، فقام يحلف، فنزلت الآية، فنكل وسلم الأرض إلى خصمه، وزاده عليها من أرضه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : هو الرجل يقول: أعطيت بسلعتي كذا وكذا، ويحلف كاذبا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 77 ] (وإن منهم لفريقا) يعني: من أهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (يلوون ألسنتهم بالكتاب) : يحرفونه ويبدلونه، عن مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما، وأصل (اللي) : الفتل.

                                                                                                                                                                                                                                      (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة) : (البشر) : يقع للواحد والجميع; لأنه بمنزلة المصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولكن كونوا ربانيين) : [أي: ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين].

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : أي: علماء فقهاء، ابن جبير : حكماء أتقياء.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : كونوا مدبري أمر الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : الربانيون: فوق الأحبار.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : كونوا معلمي الناس، والرباني: منسوب إلى علم الرب، والألف والنون فيه للمبالغة، كما يقال للعظيم اللحية: (لحياني) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أصله: (ربان) ، من قولهم: ربه يربه فهو ربان; إذا دبره وأصلحه، فمعناه على هذا: يدبرون أمور الناس ويصلحونها) ، ويكون على هذا من باب: (أحمر وأحمري) ، و (أعجم وأعجمي) ، و (أشقر وأشقري) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 78 ] (بما كنتم تعلمون الكتاب) أي: بعلمكم الكتاب، أو بتعليمكم الكتاب، فيمن شدد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الباء بمعنى: (في) ; أي: كونوا ربانيين في علمكم ودراستكم.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) يروى: أن سبب نزول هذه الآية: أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أتريد يا محمد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال: " معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادته".

                                                                                                                                                                                                                                      (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : أخذ ميثاقهم على قومهم.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : أخذ ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه، وأمروا أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله (لما آتيتكم من كتاب وحكمة) : (اللام) - فيمن فتح -: لام [ ص: 79 ] الابتداء ، ولام (لتؤمنن به) : لام القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (اللام) في (لما) خلف من القسم، تجاب بجوابه; نحو: (لمن أتاني لأكرمنه) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (ما) في (لما) : [يجوز أن تكون بمعنى: (الذي) ]، ويجوز أن تكون شرطا على معنى: لئن آتيتكم أو مهما آتيتكم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (من) في قوله: (من كتاب وحكمة) لبيان الجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      وخبر الابتداء إذا كانت (ما) بمعنى (الذي) عند الخليل وسيبويه قوله: (من كتاب وحكمة) ، وعند غيرهما: (لتؤمنن به) ، وذلك مبسوط في وجوه القراءات فيما بعد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 80 ] (فمن تولى بعد ذلك) أي: بعد أخذ الميثاق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية