الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لم تكن فتنتهم : القول في التاء والياء في (نكن) كالقول في: ولا يقبل منها شفاعة [البقرة: 48]، ومن رفع فتنتهم ; جعلها اسم (كان)، والخبر: إلا أن قالوا ، ومن نصبها جعلها خبر (كان)، و (أن قالوا): الاسم، والياء في (يكن): محمولة على المعنى; لأن الفتنة هي القول.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 579 ] ومن قرأ بجر (ربنا); فعلى أنه وصف لاسم الله عز وجل، ومن نصبه فهو نداء، وفصل بين القسم وجوابه بالمنادى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن فتح الواو من قوله: (وقرا); فهو المستعمل في ثقل السمع، ومن كسرها; فالمعنى: أنه جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول، على التشبيه بوقر البعير; وهو مقدار ما يطيق أن يحمل، وكانوا يسمعون، إلا أنه تمثيل في القراءتين جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون : من نصب الفعلين; جعلهما داخلين في التمني، والتمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي في المعنى، فكأنه في المعنى: قالوا: إن رددنا لم نكذب، وكنا من المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز الزجاج كون الواو جوابا كالفاء، وكثير من البصريين لا يجيزون الجواب إلا بالفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن النصب على الصرف; والمعنى: يا ليتنا اجتمع لنا الأمران: الرد [ ص: 580 ] وترك التكذيب.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع الفعلين احتمل أن يكون على الاستئناف، والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين، رددنا أو لم نرد.

                                                                                                                                                                                                                                      قال سيبويه: ومثله: (دعني ولا أعود); أي: ولا أعود على كل حال، تركتني أو لم تتركني، ويقوي ذلك قوله: وإنهم لكاذبون ، ويحتمل أن يكونا داخلين في التمني، معطوفين على (نرد)، فكأنهم تمنوا الرد، وألا يكذبوا، وأن يكونوا من المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل أبو عمرو على خروجه عن التمني بقوله: (وإنهم لكاذبون); لأن الكذب لا يكون في التمني، إنما يكون في الخبر، وقال: من جعله داخلا في التمني: المعنى: وإنهم لكاذبون في الدنيا في إنكارهم البعث، وتكذيبهم الرسل، وقيل: المعنى: وإنهم لكاذبون إن أخبروا عن أنفسهم بالرجوع، [وقيل: المعنى: كذب تمنيهم، كما يقال لمن يتمنى ما لا يدرك: (كذب تمنيك، وأكدى رجاؤك)، وشبهه].

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعل الواو كالفاء، وجعل المعنى: إن رددنا لم نكذب; احتمل دخول الكذب فيه; لما فيه من معنى الخبر، أو الجزاء)، كالأمر إذا صار فيه معنى الخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 581 ] ومن رفع (نكذب)، ونصب (ونكون); جاز أن يكون (ولا نكذب) داخلا في التمني، وجاز أن يكون منقطعا على معنى: ونحن لا نكذب، رددنا أو لم نرد، فيكون الرد والكون من المؤمنين داخلين في التمني، وأخبروا عن أنفسهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم على كل حال.

                                                                                                                                                                                                                                      وللدار الآخرة خير : من أضاف; فعلى تقدير حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه; التقدير: ولدار الحياة الآخرة، والقراءة الأخرى: على أن (الآخرة) صفة لـ (الدار)، يقويه: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان (العنكبوت: 14]، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: (يكذبونك).

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد جاءك من نبإ المرسلين : أجاز أبو علي: أن يكون الجار والمجرور في موضع رفع، وشبهه بقولك: (أكرم بزيد!)، قال: ومثل دخول حرف الجر على الفاعل دخوله على المبتدأ في قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس: 27]، وأنكر ذلك الرماني من حيث لا يزاد (من) في الواجب، قال: وفاعل (جاء) مضمرا; والمعنى: ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ، قال: ولا يجوز أن يكون محذوفا; لأن الفاعل إذا استغني عن إظهاره; أضمر، ولم يحذف.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن خفف الراء من قوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء ; فلثقل [ ص: 582 ] التضعيف مع تكرار الراء.

                                                                                                                                                                                                                                      صم وبكم في الظلمات : الظرف متعلق بمحذوف، ويكون مع (صم وبكم) خبر المبتدأ; يدل على ذلك: أنها بمنزلة: صم بكم عمي [البقرة: 18]، فوضع (في الظلمات) في موضع (عمي)، فهو مثل: (هذا حلو حامض)، ودخلت الواو; لأن معناها الجمع; ولذلك دخلت على الصفات في نحو: (مررت برجل ظريف وكريم).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية