الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ; أي: واذكر إذ قال إبراهيم، قال الحسن، والسدي: (آزر): اسم أبي إبراهيم، وقيل: كان له اسمان: آزر، وتارح.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: هي صفة ذم بلغتهم; كأنه قال: (يا مخطئ)، فيمن رفعه، أو كأنه قال: (وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ)، فيمن نصب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 609 ] وقيل: هو لقب مشتق من (آزر فلان فلانا); إذا عاونه، فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: هو اسم صنم; فالمعنى: أتتخذ آزر؟ أتتخذ أصناما آلهة؟

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ; أي: مثل ما أريناك من الهدى أرينا إبراهيم ملكوت السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الملكوت): أعظم الملك، وزيدت الواو والتاء للمبالغة في الصفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وليكون من الموقنين ; أي: وليكون من الموقنين أريناه ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: أقيم إبراهيم على صخرة، وفتحت له السماوات، فنظر فيهن إلى ملك الله عز وجل، وفتحت له الأرضون حتى نظر، إلى أسفل الأرض، ورأى في السماء مكانه في الجنة، فذلك قوله: وآتيناه أجره في الدنيا [العنكبوت: 27].

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: أراه من ملكوت السماوات ما قصه; من الكوكب، وما ذكر معه، ومن ملكوت الأرض: الجبال، والشجر، ونحو ذلك، وقال بنحوه ابن عباس، وقال: جعل في سرب، وجعل رزقه في أطراف أصابعه، فكان يمصها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 610 ] فلما جن عليه الليل ; أي: ستره بظلمته; رأى كوكبا : يروى: أن ذلك كان ليلة أربع عشرة من الشهر، فرأى الكوكب أول دخول الليل، ثم القمر بعده، ثم رأى الشمس بعد أن قارب القمر الأفول، فقوله في القمر: فلما أفل على هذا معناه: قارب الأفول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا ربي : قيل: قال ذلك في حال الطفولة قبل النبوة، وقيل: قاله على وجه إقامة الحجة على قومه; أي: لو كان إله يعبد غير الله; لكان الكوكب والشمس والقمر أولى بالعبادة من الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: هذا ربي في ظني; لأنه كان مستدلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على معنى الاستفهام; والمعنى: أهذا ربي؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يقولون: هذا ربي، فحذف القول، وكانوا يعبدون الأصنام، والشمس، والقمر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: هذا ربي على زعمكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلما أفل ; أي: غاب; قال لا أحب الآفلين ; أي: لا أحب ربا ينتقل; إذ ليس ذلك من صفات الرب تعالى، وإنما هو من صفات المخلوقين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 611 ] فلما رأى القمر بازغا ; أي: طالعا، بزغ يبزغ بزوغا; إذا طلع، وأفل يأفل أفولا، وأفلا; إذا غاب.

                                                                                                                                                                                                                                      فلما رأى الشمس بازغة : قيل: إن تأنيث (الشمس) لتفخيمها وعظمها، فهو كقولهم: (رجل نسابة وعلامة)، وقوله: (هذا ربي) في الشمس; على معنى: هذا الضوء، أو هذا الشخص، وحسن التذكير; ليكون الخبر والمخبر عنه عليه كما كانا على التأنيث في فلما رأى الشمس بازغة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا أكبر ; أي: أكبر من الكوكب والقمر، وفي الخبر: أن أم إبراهيم جعلته حين وضعته في سرب; إذ كان نمرود يقتل الولدان، لما خوفه منه الكهان، وجعلت على فم السرب صخرة; مخافة السباع، واختلفت إليه إلى أن عقل، فخرج من السرب، وكان من أمره ما قصه الله تعالى، ثم جاء قومه وهم عاكفون على أصنامهم، فقال: يا قوم إني بريء مما تشركون : إلى قوله وما أنا من المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية