الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      معنى يتوفاكم بالليل : ينيمكم; فيتوفى، الأنفس التي يكون بها التمييز: يمنعها من التصرف، ومعنى هذا مذكور في (سورة الزمر) [42].

                                                                                                                                                                                                                                      ويعلم ما جرحتم بالنهار ; أي: ما كسبتم، وقد تقدم القول فيه، وقيل: إن أصله: من عمل الجوارح.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يبعثكم فيه ; أي: في النهار، وقال ابن جريج: في المنام.

                                                                                                                                                                                                                                      ليقضى أجل مسمى ; أي: ليستوفي كل إنسان أجله، وإذا قدرت الهاء لـ (النهار); ففيه تقديم وتأخير، والتقدير: وهو الذي يتوفاكم بالليل، [ ص: 603 ] ثم يبعثكم بالنهار، ويعلم ما جرحتم فيه; فقدم الأهم الذي من أجله وقع البعث في النهار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويرسل عليكم حفظة يعني: الملائكة التي تحفظ أعمال العباد، وتحفظهم من الآفات.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا : يعني أعوان ملك الموت، قاله ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أنهم يسلون الروح من الجسد، حتى إذا كان عند قبضها; قبضها ملك الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا، أو إلى ملائكة العذاب إن كان كافرا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى لا يفرطون : لا يضيعون، عن ابن عباس، وغيره، وأصله: من التقدم، فمعنى (فرط): قدم العجز.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ; أي: ردتهم الملائكة التي تتوفاهم، وقيل: المعنى: ردهم الله بالبعث، ومعنى (مولاهم):سيدهم ومالكهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ألا له الحكم أي: يوم القيامة الذي لا يحكم فيه سواه، وقيل: هو عام; لأن كل حاكم يحكم في الدنيا إنما يحكم عن قضائه.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في: أسرع الحاسبين ; كالقول في: سريع الحساب [البقرة: 202].

                                                                                                                                                                                                                                      قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر يعني: شدائدهما، وجمع (الظلمات) [ ص: 604 ] على أنه يعني: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الغيم.

                                                                                                                                                                                                                                      تدعونه تضرعا وخفية : تقدم معنى (التضرع)، وقيل: إن المعنى ههنا: تجهرون بدعائكم وتسرونه; فوبخهم الله تعالى في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه غيره في العبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد، وابن جبير: يعني بقوله: (من فوقكم): الرجم، و من تحت أرجلكم الخسف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (من فوقكم): الطوفان، من تحت أرجلكم : الريح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى (من فوقكم): من كباركم، و (من تحت أرجلكم): من سفالكم.

                                                                                                                                                                                                                                      أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ; أي: يخلط أمركم; فيجعلكم مختلفي الأهواء.

                                                                                                                                                                                                                                      ويذيق بعضكم بأس بعض : يعني: بالحرب والقتل، وقيل: إنها عامة في المسلمين والكفار، وقيل: هي في الكفار خاصة، وقال الحسن: هي في أهل الصلاة، وعنه: أنه تأول ذلك فيما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذب به قومك : (الهاء) للقرآن، عن الحسن، والسدي، وقيل: هي للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لتصريف الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 605 ] قل لست عليكم بوكيل : قال الحسن: أي: لست بحافظ أعمالكم حتى أجازيكم عليها، وقوله في موضع آخر: وما أنا عليكم بحفيظ [الأنعام: 104]; أي: أحفظ عليكم أعمالكم، وقيل: أحفظكم من أن تكفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      لكل نبإ مستقر ; أي: حقيقة يستقر عليها في الدنيا والآخرة، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: هذا وعيد من الله تعالى للكفار; لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: يجوز أن يكون وعيدا بما ينزل بهم في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: استقر يوم بدر ما كان يعدهم به من العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      أصله: من الخوض في الماء; فاستعمل في الدخول في الأمر، واللبس فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد والحسن وغيرهما: معنى (يخوضون): يكذبون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإما ينسينك الشيطان ; أي: إن أنساك الشيطان نهينا إياك عن القعود معهم; فلا تقعد معهم بعد أن تذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ; أي: ما عليهم من حساب [ ص: 606 ] الذين يخوضون في آياتنا من شيء إذا اتبعوا ما أمروا به، ولم يجلسوا معهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن ذكرى ; أي: ذكروهم بدعائكم إياهم إلى الإيمان; لعلهم يتقون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا : قد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت : قال مجاهد، وغيره: معنى تبسل : تسلم، وهو المعروف في اللغة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: تفضح، قتادة: تحبس، الفراء: ترتهن، الكسائي، والأخفش: تجزى، وقيل: إن أصله: الارتهان، فمن أسلم; فهو كالمرتهن، وقيل: أصله: التحريم، من قولهم: (هذا بسل عليك); أي: حرام; فكأن (أبسلوا): حرموا الرحمة، وحرمت عليهم الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      لهم شراب من حميم : (الحميم): الماء الحار الذي قد انتهى حره.

                                                                                                                                                                                                                                      قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا يعني: الأوثان.

                                                                                                                                                                                                                                      ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله : تمثيل للكفر، وأصله: من العاقبة والعقبى; وهو ما كان تاليا للشيء، وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      كالذي استهوته الشياطين ; أي: زينت له هواه، ودعته إليه، و (الحيران): [ ص: 607 ] الذي يتردد في الأمر، فلا يهتدي إلى المخرج منه.

                                                                                                                                                                                                                                      له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا ; أي: يقولون له: تابعنا على الهدى، قال ابن عباس: هذا مثل للرجل يطيع الشيطان، ويحيد عن الحق، وله أصحاب يدعونه إلى غير الحق، ويزعمون أنه الهدى; فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وقال:

                                                                                                                                                                                                                                      قل إن هدى الله هو الهدى .

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كان أبو بكر وزوجه يدعوانه إلى الإسلام، فيأبى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة ; أي: أمرنا كي نسلم، وبأن أقيموا الصلاة; لأن حروف الإضافة يعطف بعضها على بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: المعنى: أمرنا بأن نسلم; لأن العرب تقول: (أمرتك لتذهب)، و (أن تذهب) بمعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ; أي: بكلمة الحق; يعني: قوله: (كن).

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم يقول كن فيكون ; أي: واذكر يوم يقول: (كن)، [أو: واتقوا [ ص: 608 ] يوم يقول: (كن).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وقدر يوم يقول: (كن).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو معطوف على (خلق السماوات والأرض)، فأخبر أنه كائن، فهو بمنزلة ما قد كان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ويوم يقول: (كن) فيكون الصور، وقيل: فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الصور): قرن ينفخ فيه النفحة الأولى للفناء، والثانية للإنشاء، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (الصور): جمع (صورة); كسورة البناء، وسور.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية