الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي: لا تضعفوا عن طلبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فإنهم يألمون : من الجراح كما تألمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وترجون : من ثواب الله ونصره ما لا يرجون ، وقيل : معناه : وتخافون من الله ما لا يخافون; كما قال: ما لكم لا ترجون لله وقارا .

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أنـزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله : قال مجاهد ، وغيره: نزلت في طعمة بن أبيرق ، وكانت عنده درع وديعة، فجحدها، فخوصم عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحسن ، وابن زيد : سرقها، وقيل: إنه طرحها في دار يهودي آخر; ليتهم بها، وكان اسم ذلك اليهودي الذي طرحها في داره فيما روي: زيد بن السمين ، وقيل : كان مسلما يقال له: لبيد بن سهل، وهو معنى قول الله [ ص: 343 ] تعالى: ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ; فهذه الآي إلى قوله: وساءت مصيرا في قصة طعمة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تكن للخائنين خصيما : (خصيم) : اسم الفاعل; كقولك : (جالسته فأنا جليسه) ، ولا يكون (فعيلا) بمعنى (مفعول) ، يدل على ذلك قوله تعالى: ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم فـ (الخصيم) : هو المجادل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : (واستغفر الله) قيل: أمر الله ـ تعالى ـ نبيه عليه الصلاة والسلام

                                                                                                                                                                                                                                      بالاستغفار، لما هم بالدفع عن طعمة، وقيل: على جهة التسبيح، لا من ذنب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم أي: لا تحاج عن الذين يخونون أنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما : (خوان) : أبلغ من (خائن) ; لأنه من أبنية المبالغة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله يعني: طعمة، [ ص: 344 ] وقيل : الذين جاؤوا يجادلون عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ها أنتم هؤلاء : القول فيه كالقول المتقدم في (آل عمران) [119].

                                                                                                                                                                                                                                      إذ يبيتون ما لا يرضى من القول : (القول) بمعنى: المقول; لأن نفس القول لا يبيت، ويحتمل أن يكون (القول) بمعنى الرأي والاعتقاد; كقولك: (مذهب مالك والشافعي) .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة : لفظه استفهام، ومعناه: الإنكار.

                                                                                                                                                                                                                                      أم من يكون عليهم وكيلا : (الوكيل) : القائم بتدبير الأمر، فالله قائم بتدبير خلقه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ، أي: من يظلم غيره، أو يظلم نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى يجد الله غفورا رحيما : يعلمه كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      فإنما يكسبه على نفسه أي: عاقبته عائدة عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يكسب خطيئة أو إثما : (الخطيئة) : ما لم يتعمد، و (الإثم) : ما تعمد، وقيل : (الخطيئة) : الصغيرة، و (الإثم) : الكبيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يرم به بريئا : (الهاء) في (به) للإثم، أو للخطيئة; لأن معناها: الإثم، أو لهما جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 345 ] و (البهتان) : الذي يواجه به صاحبه، ويكابر عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لهمت طائفة منهم أن يضلوك يعني: الذين شهدوا عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببراءة طعمة، ثم أعلم أنهم كانوا يضلون أنفسهم، ولا يضرونه من شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية