الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      الإشارة في قوله: (إن هذا لهو القصص) إلى القرآن وما فيه من الأقاصيص، سميت قصصا; لأن المعاني تتتابع فيها، فهو من قولهم: (فلان يقص أثر فلان) ; أي: يتبعه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 71 ] (عليم بالمفسدين) أي: يجازيهم على إفسادهم، فهو وعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      الخطاب في قول الحسن ، والسدي ، وابن زيد: لأهل نجران، وفي قول قتادة ، وابن جريج ، وغيرهما: ليهود المدينة، خوطبوا بذلك; لأنهم جعلوا أحبارهم في الطاعة لهم كالأرباب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو لليهود والنصارى جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (كلمة) : قصة.

                                                                                                                                                                                                                                      و (السواء) : النصفة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: هو اتباع الضعفاء السادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: لا نعبد عيسى، ولا عزيرا، ولا الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو سجود بعضهم لبعض.

                                                                                                                                                                                                                                      (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ) إلى (والله ولي المؤمنين) هذه الآي نزلت بسبب دعوى كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم عليه السلام كان على دينهم، فأكذبهم الله تعالى، واحتج عليهم بأن اليهودية والنصرانية إنما كانتا من بعده. [ ص: 72 ]

                                                                                                                                                                                                                                      (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم) يعني: ما عندهم من التوراة والإنجيل.

                                                                                                                                                                                                                                      (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) يعني: دعواهم أنه كان يهوديا أو نصرانيا.

                                                                                                                                                                                                                                      (إن أولى الناس بإبراهيم) قيل: بالمعونة والنصرة، وقيل: بالحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      (للذين اتبعوه) يعني: من مات على دينه قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      (والذين آمنوا) : من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأفرد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما له.

                                                                                                                                                                                                                                      (والله ولي المؤمنين) أي: ناصرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) يعني: قريظة والنضير وبني قينقاع، فـ (من) على هذا للتبعيض، وقيل: جميع أهل الكتاب، فتكون (من) لبيان الجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      (وأنتم تشهدون) أي: بصحة الآيات بما عندكم في كتبكم، عن قتادة ، والسدي ، وغيرهما، وقيل: المعنى: وأنتم تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي أنتم مقرون بها.

                                                                                                                                                                                                                                      (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) : (وجه النهار) : أوله; لأنه أول ما يواجه منه، أو لأنه أشرفه.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الطائفة) : الجماعة، من طاف يطوف، وقد يستعمل للواحد على معنى: بعض طائفة، ومعنى الآية: أن اليهود قال بعضهم لبعض: أظهروا الإيمان بمحمد في أول النهار، ثم اكفروا به آخره، فذلك أجدر أن يتوهم من اتبعه ومن [ ص: 73 ] يريد أن يتبعه أنكم فعلتم ذلك لشيء ظهر لكم أنكرتموه; ليرجعوا -إذا فعلتم ذلك- عن دينهم، روي معناه عن قتادة وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس : المعنى: آمنوا بصلاته أول النهار إلى بيت المقدس، واكفروا بصلاته آخر النهار إلى الكعبة.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : هذا قول يهود خيبر ليهود المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: هو قول بعض اليهود لبعض.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن الحسن ومجاهد : أن معنى الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم; لأنهم لا حجة لهم، وقوله: (قل إن الهدى هدى الله) : اعتراض.

                                                                                                                                                                                                                                      واللام زائدة، كزيادتها في: (ردف لكم) [النمل: 72]، ومعنى (تؤمنوا) : تصدقوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ليست بزائدة، و (تؤمنوا) محمولة على معنى: تقروا- ومعنى (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) أي: من النبوة; أي: أنها لا تكون إلا فيكم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 74 ] الفراء : [يجوز أن يكون كلام اليهود قد انقطع عند قوله: (إلا لمن تبع دينكم) ، ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام: (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم] أي: ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، فـ (لا) مقدرة بعد (أن) ، قال: ولذلك دخلت (أحد) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (أو) عنده بمعنى (حتى) و (إلا أن) ، وكذلك مذهب الكسائي ، ومثله قولهم: (لا نلتقي أو تقوم الساعة) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (أو) عند الأخفش : عاطفة على (ولا تؤمنوا) ; أي: ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى (أو يحاجوكم عند ربكم) : أنكم إن اعترفتم بمحمد صلى الله عليه وسلم; لزمكم الإيمان به، وقامت عليكم الحجة; لإقراركم بصحته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: قل: إن الهدى هدى الله; كراهة أن يؤتى أحد، [أو لئلا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقيل: المعنى: قل: إن الهدى هدى الله; فلا تجحدوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم]، أو يحاجوكم به عند ربكم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 75 ] وقيل: المعنى: لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم إلا لمن تبع دينكم; لئلا يكون ذلك طريقا لعبدة الأوثان إلى تصديقه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (يختص برحمته من يشاء) أي: بنبوته، عن الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج : بالإسلام والقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) : أعلم الله تعالى في هذه الآية بأن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يميزون ذلك، فينبغي اجتناب جميعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (إلا ما دمت عليه قائما) مجاهد : قائما بالتقاضي والمطالبة.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : ملازما له، وقائما عليه لا يفارقه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية