إسلام ويب - التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل - تفسير سورة آل عمران

التفسير:

قوله: (يا مريم إن الله اصطفاك) أي: اختارك.

(وطهرك) أي: من الكفر، عن مجاهد ، والحسن .

الزجاج : من سائر الأدناس; من الحيض والنفاس، وغيرهما.

(واصطفاك على نساء العالمين) يعني: عالمي زمانها، عن الحسن وابن جريج .

وقيل: (واصطفاك على نساء العالمين) ، لولادة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، عن الزجاج وغيره.

وتكرير الاصطفاء; لأن معنى الأول: اصطفاؤه إياها لطاعته، ومعنى الثاني: لولادة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، كما قدمنا.

[ ص: 56 ] (يا مريم اقنتي لربك) أي: أطيلي القيام في الصلاة، عن مجاهد .

قتادة : أديمي الطاعة، وقد تقدم القول في القنوت.

وقدم السجود ههنا على الركوع; لأن الواو لا توجب الترتيب، وقيل:

لأن السجود كان في شريعتهم قبل الركوع.

وقوله: [(مع الراكعين) قيل: معناه: افعلي كفعلهم، وقيل: المراد به:

صلاة الجماعة].

(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) : (الإيحاء) ههنا: الإرسال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الوحي إلهاما، وإيماء، وكتابا، على ما ذكرناه في "الكبير".

و (الأقلام) : القداح، وقيل: هي ههنا الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، وهذا احتجاج على الكفار الرادين نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وإلقاؤهم الأقلام: هو حين تنازعوا في كفالتها رغبة فيها.

[ ص: 57 ] وقال بعض المفسرين: إنه تدافع من أجل شدة كانوا فيها.

وتقدم معنى تسمية المسيح بـ(الكلمة) ، فأما تسميته بالمسيح; فقال سعيد بن جبير والحسن : سمي بذلك; لأنه مسح بالبركة، النخعي : المسيح: الصديق، ابن عباس : المسيح: الملك، سمي بذلك; لأنه ملك إبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الآيات.

وقيل: سمي بذلك; لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا أبرأه، فهو على هذا بمعنى فاعل.

وقيل: سمي بذلك; لأنه مسح بالتطهير من الذنوب، وقيل: لأنه مسح بدهن كانت الأنبياء تمسح به، فهو على هذين القولين، وعلى القول الأول: (فعيل) بمعنى: (مفعول) .

فأما تسمية الدجال: المسيح; فهو (فعيل) بمعنى: (مفعول) ، ومعناه: أنه ممسوح العين.

وقوله: (وجيها في الدنيا والآخرة) : (الوجيه) : ذو المنزلة الرفيعة، وقيل: الكريم على من يسأله; لأنه لا يرده; لكرم وجهه.

[ ص: 58 ] (ومن المقربين) أي: من المقربين إلى ثواب الله وكرامته.

(ويكلم الناس في المهد) : "المهد": مضجع الصبي في رضاعه، و (الكهل) : بين حال الغلومة وحال الشيخوخة.

مجاهد : (الكهل) ههنا: الحليم، وقيل: هو ابن أربعين سنة.

وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة.

وفائدة الآية: أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد، ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا; إذ كانت العادة أنه من تكلم في المهد لم يعش.

قال ابن زيد : معناه: أنه يكلمهم إذا ظهر لقتال الدجال وهو يومئذ كهل.

وقيل: إنما أخبرهم بنبوته أنه يكلمهم كهلا بما يأتيه من الوحي.

وقيل: إنما أخبر بانتقاله من حال إلى حال; ليدل على كذب النصارى فيما تدعيه من أنه إله.

[ ص: 59 ] (قالت رب أنى يكون لي ولد) الآية.

استفهامها معناه: أنها سألت هل يكون لها الولد ولم يمسسها، بشر، أم من مس البشر؟وقيل: على وجه الاستعظام لأمر الله تعالى، والتعجب من قدرته.

وقوله: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) : قال ابن جريج : معنى (الكتاب) : الكتابة بيده، وقيل: هو كتاب غير التوراة والإنجيل، علمه الله عيسى عليه السلام.

(ورسولا إلى بني إسرائيل) : أي: ويجعله رسولا، أو يكلمهم رسولا.

وقيل: هو معطوف على قوله: (وجيها) .

وقوله: (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) : (الهيئة) : الحال الظاهرة، من هاء يهاء هيئة، وروي: أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش ونفخ فيه، فصار طائرا، والهاء في (فيه) على لفظ (الطير) ، أو على معنى: فأنفخ في المخلوق، أو في المهيإ.

(والأكمه) : الذي يولد أعمى، عن ابن عباس .

[ ص: 60 ] الحسن ، والسدي ، والضحاك : هو الأعمى ولد كذلك، أو بصيرا فعمي.

مجاهد : هو الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل، عكرمة : هو الأعمش .

والكمه في اللغة: العمى; يقال: (كمه يكمه) .

(وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) : (تدخرون) : من (الذخر) ، وأصله: (تذتخرون) .

ابن جبير وغيره: كان يخبر الصبيان بما يدخرون، حتى منعهم آباؤهم من الجلوس معه.

قتادة : أخبرهم بما أكلوه من المائدة، وما ادخروه منها خفية.

(ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) يعني: لحوم الإبل، والثروب، وأشياء مما كان محرما عليهم في شريعة موسى عليه السلام، قاله قتادة ، وابن جريج ، وغيرهما.

أبو عبيدة: معنى (بعض الذي حرم عليكم) ، كله، وليس هذا بمستقيم; [ ص: 61 ] لخروجه عن الأصل، ولأنه لم يحل لهم جميع المحرمات، وقد يوضع البعض موضع الكل إذا انضمت إليه قرينة تدل عليه.

(فلما أحس عيسى منهم الكفر) : قال أبو عبيدة: معنى (أحس) : عرف، وأصل ذلك: وجود الشيء بالحاسة.

(قال من أنصاري إلى الله) : قال السدي ، والثوري ، وغيرهما: المعنى: مع الله.

وقال الحسن : المعنى: من أنصاري في السبيل إلى الله؟ لأنه دعاهم إلى الله عز وجل، وقيل: المعنى: من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله تعالى، فـ(إلى) على هذين القولين على بابها، وطلب النصرة; ليحتمي بها ويظهر الدعوة، عن الحسن ومجاهد .

و (الحواريون) : أصحاب عيسى، قال ابن عباس وغيره: سموا بذلك;لبياض ثيابهم.

ابن أبي نجيح: كانوا قصارين.

قتادة ، والضحاك : سموا بذلك; لأنهم كانوا خاصة الأنبياء; يريدان: لنقاء قلوبهم، وقيل: كانوا صيادين.

وأصل (الحور) في اللغة: شدة البياض.

[ ص: 62 ] (فاكتبنا مع الشاهدين) : (الشاهدين) : أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس ، والمعنى: أثبت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا من جملتهم.

وقوله: (ومكروا ومكر الله) أي: مكروا بإضمار الكفر، ومكر الله بمجازاتهم عليه.

وقيل: مكروا بما حاولوه من قتل عيسى عليه السلام، ومكر الله بما ألقاه من شبهه على غيره، ورفعه عيسى عليه السلام، فجاء ذلك على مزاوجة الكلام.

وأصل المكر: الالتفاف، فهو التفاف المكر على من يمكر به.

(إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك) الآية.

[قال الحسن ، وابن جريج ، وغيرهما: (متوفيك) : رافعك إلى السماء من غير موت].

ابن عباس : مميتك، الربيع بن أنس : هي وفاة نوم للرفع إلى السماء.

وهب بن منبه: توفاه الله ثلاث ساعات من النهار، ثم أحياه.

[ ص: 63 ] الفراء : هو على التقديم والتأخير; لأن الواو لا توجب الترتيب.

وقيل: معنى (متوفيك) : قابل عملك، من قولهم: (توفيت مالا من فلان، واستوفيته) .

(وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) : (الذين اتبعوه) : أهل الإيمان بما جاء به من عند الله، عن الحسن ، وقتادة ، وغيرهما.

قتادة : يعني: المسلمين.

ومعنى كونهم فوقهم: قيل: بالحجة وإقامة البرهان، وقيل: بالعز والغلبة.

(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا) الآية: قد تقدم القول في مثله.

(ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) أي: ذلك الخبر المتقدم في أمر عيسى وغيره.

(والذكر الحكيم) : ذو الحكمة.

(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) الآية.

في هذه الآية دليل على صحة القياس، والتشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم، لا أنه خلق من تراب.

[ ص: 64 ] ونزلت هذه الآية بسبب وفد نجران، حين أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إن عيسى عبد الله وكلمته"، فقالوا: فأرنا عبدا خلق من غير أب.

وقوله: (فمن حاجك فيه) إلى قوله: (ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) : هذا من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه دعاهم إلى المباهلة، فأبوا منها، ورضوا بالجزية، بعد أن أعلمهم كبير منهم أنهم إن باهلوه; اضطرم الوادي عليهم نارا.

وأصل (الابتهال) : الاجتهاد في الدعاء باللعن، يقال: (بهله الله) أي: لعنه الله، وقيل: معنى (نبتهل) : ندعو بهلاك الكاذب.