التفسير: 
قوله: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها)   : معنى (أسلم) : استسلم وانقاد، وكل شيء مخلوق فهو مستسلم منقاد، لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه. 
 قتادة   : أسلم المؤمن طوعا، والكافر عند موته كرها. 
 الحسن   : هو عموم معناه الخصوص، وعنه أيضا: (أسلم من في السماوات) ، تم الكلام، ثم قال: (والأرض طوعا وكرها) ، قال: و (الكاره) : المنافق لا ينفعه عمله. 
 مجاهد   : معناه: الإقرار بالعبودية وإن كان فيهم المشرك في عبادته. 
 ابن عباس   : أسلم عند أخذ الميثاق عليه. 
وقيل: الذي أسلم طوعا: هو من قبل ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام، والذي أسلم كرها: من أقر بالتوحيد وأشرك. 
 [ ص: 92 ] وعن  مجاهد  أيضا: إسلام الكافر كرها: سجوده لغير الله، وسجود ظله لله. 
 (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)   : 
قال  مجاهد  ،  والسدي   : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، يقال له: الحارث بن سويد الأنصاري،  كان قد ارتد عن الإسلام، ثم كتب إلى أخيه يطلب التوبة، وروي ذلك عن  ابن عباس  ، وغيره. 
قال  ابن عباس   : وأسلم بعد نزول الآيات . 
وقيل: نزلت في قوم أرادوا أن يحكم لهم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الإسلام، وفي قلوبهم الكفر، فأطلع الله نبيه على ضمائرهم. 
وقيل: نزلت في اليهود وكتمانهم ما وجدوه في كتبهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قاله  الحسن   . 
(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) يعني به: اليهود، كفروا بعيسى،  ثم ازدادوا كفرا بمحمد  عليه السلام. 
وقيل: هم اليهود والنصارى، كفروا بكتابهم حين بدلوه، ثم ازدادوا كفرا [بالقرآن. 
 [ ص: 93 ] وقيل: كفرهم الأول: هو كفرهم بمحمد  عليه الصلاة والسلام، ثم ازدادوا كفرا] بالذنوب التي اكتسبوها، وهذا اختيار  الطبري  ، وهي عنده في اليهود. 
وقيل: ازدادوا كفرا إذ لم يتوبوا من كفرهم. 
وقيل: نزلت في قوم ارتدوا، ثم أظهروا التوبة غير محققين. 
وقيل: المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر. 
وقيل: لن تقبل إذا تابوا من كفر إلى كفر آخر. 
وقوله: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) : (الملء) بالكسر: هو مقدار ما يملأ الشيء، و (الملء) بالفتح: المصدر. 
و (الواو) في (ولو افتدى به) : قيل: هي زائدة. 
وقيل: دخلت لتفصيل نفي القبول بعد الإجمال; لأنه قد عم وجوه القبول بالنفي، ثم جاء بالتفصيل. 
وقيل: المعنى: لن يقبل من أحدهم من الأرض ذهبا تبرعا، ولو افتدى به. 
 [ ص: 94 ]  (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) : (البر) ههنا: الجنة، عن  ابن مسعود  ، والتقدير: لن تنالوا ثواب البر. 
وقيل: البر: العمل الصالح. 
[وقيل: المراد به: الأغنياء]. 
وقيل: الأغنياء والفقراء، والمعنى: (حتى تنفقوا مما تحبون في سبيل الخير; من صدقة أو غيرها من الطاعات) . 
 الحسن   : هو الزكاة المفروضة. 
(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنـزل التوراة) : قال  ابن عباس   : كان يعقوب  النبي عليه السلام قد اشتكى عرق النسا، فآلى إن شفي ألا يأكل عرقا. 
 مجاهد   : حرم الأنعام،  عطاء   : لحوم الإبل وألبانها. 
 الضحاك   : قالت اليهود: إن هذه الأشياء حرمت علينا في التوراة، فأعلم الله أن ذلك مما حرمه إسرائيل  على نفسه من قبل أن تنزل التوراة. 
وقيل: حرمت في التوراة بعد أن حرمها إسرائيل  على نفسه. 
 [ ص: 95 ]  (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) : 
قال  ابن عمر   : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان على زبدة بيضاء، فدحيت الأرض من تحته  . 
 مجاهد  ،  وقتادة   : لم يوضع قبله بيت، وعن  قتادة  أيضا: هبط به آدم  من الجنة، ثم رفع في الطوفان، ثم تتبع إبراهيم  بنيانه. 
 علي  رضي الله عنه: كان قبل البيت بيوت كثيرة، والمعنى: أنه أول بيت وضع للعبادة.  
وفي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام، ثم بيت المقدس، وكان بينهما أربعون سنة". 
واختلف في (بكة) ; فقال  مالك  بن  أنس   : هي موضع البيت، و (مكة) : ما وراء ذلك. 
 ابن شهاب:   (بكة) : المسجد، و (مكة) : الحرم  كله يدخل فيه البيوت. 
 مجاهد   : (بكة) : هي مكة،  فالميم على هذا مبدلة من الباء، كما قالوا: (طين لازم ولازب) . 
وقيل: إن اشتقاق (بكة) من البك; وهو الزحم، فالناس يزدحمون فيها في الطواف، تباك الناس; إذا ازدحموا، وروي معناه عن سعيد بن جبير. 
 [ ص: 96 ] وقيل: سميت بذلك; لأنها تبك أعناق الجبابرة. 
فأما (مكة) ; فقيل: سميت بذلك; لأنها تمك المخ من العظم بما ينال قاصدها من المشقة، من قولهم: (مككت العظم) ; إذا أخرجت ما فيه. 
وقيل: سميت بذلك; لأن الناس كانوا يمكون ويضحكون فيها، من قوله:  (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية)   [الأنفال: 35]; أي: تصفيقا وتصفيرا، وهذا لا يوجبه التصريف; لأن (مكة) ثنائي مضاعف، ومكاء: ثلاثي معتل. 
وقوله: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) قيل: المعنى: منها مقام إبراهيم  ، فحذف الخبر، وآيات البيت كثيرة، وقد ذكرت قطعة منها في "الكبير". 
ومن قرأ: (آية بينة) ; فالتقدير عندهم: هي مقام إبراهيم   . 
وقوله: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) : قال  ابن عباس  وغيره: من كفر بفرض الحج، ولم يره واجبا. 
وقد قال  الحسن البصري  وغيره: إن من ترك الحج وهو قادر عليه;  فهو كافر  [ ص: 97 ] وروى  أبو أمامة الباهلي  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:  "من مات ولم يحج وهو قادر; فليمت يهوديا أو نصرانيا"، وروي نحوه عن  عمر  ،  وعلي  رضي الله عنه. 
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا سأله عن الآية فقال: "من حج لا يرجو ثوابا، أو جلس لا يخاف عقابا; فقد كفر به"  . 
(قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا) أي: تطلبون لها عوجا، ومعنى (العوج) : العدول عن طريق الحق، وهو بالكسر: يستعمل في الميل عن طريق الاستواء في الطريق، والدين، ونحوهما، وهو بالفتح: ميل كل منتصب; كالحائط، ونحوه. 
(وأنتم شهداء) أي: تشهدون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق، وقيل: معناه: عقلاء. 
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) : روي: أنها نزلت في يهودي أراد تحريك الفتنة بين الأوس  والخزرج،  بعد انقطاعها بالنبي صلى الله عليه وسلم، روي معناه عن  زيد بن أسلم  ، وغيره. 
 [ ص: 98 ]  ابن عباس   : الذي فعل ذلك شأس بن قيس،  دس على الأوس  والخزرج  من يذكرهم ما كان بينهم من الحروب. 
				
						
						
