الآية. وقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)
هذه الآية والآية التي بعدها منسوختان.
قال عبادة بن الصامت، ، وغيرهما: كان حكم الزانية والزاني إذا زنيا وكانا بكرين أو ثيبين: أن يحبس كل واحد منهما في بيت حتى يموت، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها; فصار حكمهما: أن يؤذيا بالسب والتعيير، ثم نسخ ذلك; فصار حكم البكرين: الحد وتغريب عام، وحكم الثيبين: جلد مئة والرجم. والحسن
: كان حكم الثيبين الزانيين: أن يحبسا حتى يموتا، وحكم البكرين: أن يؤذيا، واختار هذا القول قتادة ، وقال: إن قوله: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) [ ص: 199 ] يدل على أنه يراد به: الرجل والمرأة البكران، ولو أريد به جميع الزناة; لقال: (والذين) ، كما قال في التي قبلها: (واللاتي يأتين الفاحشة) . الطبري
: كانت (واللاتي يأتين الفاحشة) خاصة على النساء دون الرجال; يعني: البكر والثيب، والتي بعدها على الرجال; يعني: البكر والثيب، قال: ثم نسخت بالحد المفروض، وهذا القول أشبه باللغة; إذ لا يغلب المؤنث على المذكر إلا بدليل، وروي ذلك أيضا عن مجاهد . ابن عباس
وقوله: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) الآية.
روي عن أنه قال: هي منسوخة بقوله: ابن عباس (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48]، فحرم الله المغفرة على من مات كافرا، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية.
قال أكثر العلماء: إنها ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية; من أن المرأة إذا [ ص: 200 ] مات عنها زوجها; كان ابنه أو قريبه أحق بها من نفسها، فإن شاء; نكحها، وإن شاء; عضلها حتى تموت، روي ذلك عن ، ابن عباس ، وغيرهما; فالمعنى على هذا: لا يحل لكم أن ترثوا آباءكم وأقرباءكم نكاح نسائهم كرها، وقيل: المعنى: لا ترثوا النساء تركاتهن كرها. وعكرمة
قيل: كانوا يعضلون أياماهم، وهن كارهات للعضل حتى يمتن;فيرثوهن، روي عن أيضا، ابن عباس . والزهري
وقوله: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) أي: لا تحبسوهن عن نكاح من أردن نكاحه حتى يمتن; فتأخذوا من أموالهن ما كان أعطاهن موتاكم من صدقاتهن، روي معناه عن ، ابن عباس ، والحسن . وعكرمة
، السدي ، وغيرهما: المعنى: لا تحبسوهن ضرارا وليس بكم حاجة إليهن; ليفتدين منكم ببعض ما أعطيتموهن، وروي نحوه عن والضحاك أيضا. ابن عباس
عن : نهي الزوج بعد فراقه المرأة عن عضلها عن التزويج، وكان ذلك من فعل أهل الجاهلية. ابن زيد
[ ص: 201 ] (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) : فيحل لكم حينئذ عضلهن والإضرار بهن;لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتهن، قاله ، الحسن ، وغيرهما. والسدي
و (الفاحشة) : قيل: هي ههنا: الزنا، وقال ابن عباس : الفاحشة: النشوز، وقيل: هي على العموم، يدخل فيه النشوز والأذى والبذاء، وكل امرأة أتت بفاحشة من الفواحش فلزوجها عضلها والتضييق عليها حتى تفتدي منه إذا كانت الفاحشة ظاهرة مبينة. والضحاك
وقوله: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) إلى قوله: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) : قال بعض العلماء: هذه الآية منسوخة بقوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) إلى قوله: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ، قاله ، ابن عباس ، وغيرهما. وعكرمة
وقال بعضهم: إن قوله: (فلا تأخذوا منه شيئا) ناسخ للذي في (البقرة) ، وقد تقدم القول في ذلك، واختلاف العلماء فيه في (سورة البقرة) .
وقوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) : يحتمل أن تكون (ما) في قوله: (ما نكح) بمعنى (من) ، فيكون المعنى: ولا تتزوجوا النساء اللواتي تزوجهن آباؤكم إلا ما قد سلف من فعلكم قبل الإسلام; فإنه كان [ ص: 202 ] فاحشة ومقتا، وهو مغفور لكم، فلا تعودوا إلى مثله، والاستثناء منقطع.
وقوله: (كان فاحشة) : (كان) زائدة، في قول . المبرد
: لو كانت زائدة; لكان (فاحشة) بالرفع، لكن المعنى: إنه كان عندهم مستقبحا في الجاهلية، [يسمونه فاحشة ومقتا; فأعلم الله أن هذا الذي حرمه كان مستقبحا في الجاهلية] ممقوتا، وكانوا يسمون الولد من ذلك: المقتي. الزجاج
وذهب إلى أن المعنى: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم إلا ما قد سلف في الجاهلية; فإنه كان فاحشة، فـ (من) متعلقة بـ(تنكحوا) ، و (ما نكح) مصدر، والاستثناء منقطع. الطبري
قال: ولو كان المعنى: ولا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم; لوجب أن يكون موضع (ما) (من) .
فالنهي على هذا إنما وقع على ألا ينكحوا مثل نكاح آبائهم الفاسد، وأجمع العلماء على كان مع العقد وطء أو لم يكن. تحريم ما عقد [عليه الآباء على الأبناء]، وما عقد عليه الأبناء [ ص: 203 ] على الآباء،