الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية والآية التي بعدها منسوختان.

                                                                                                                                                                                                                                      قال عبادة بن الصامت، والحسن ، وغيرهما: كان حكم الزانية والزاني إذا زنيا وكانا بكرين أو ثيبين: أن يحبس كل واحد منهما في بيت حتى يموت، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها; فصار حكمهما: أن يؤذيا بالسب والتعيير، ثم نسخ ذلك; فصار حكم البكرين: الحد وتغريب عام، وحكم الثيبين: جلد مئة والرجم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : كان حكم الثيبين الزانيين: أن يحبسا حتى يموتا، وحكم البكرين: أن يؤذيا، واختار هذا القول الطبري ، وقال: إن قوله: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) [ ص: 199 ] يدل على أنه يراد به: الرجل والمرأة البكران، ولو أريد به جميع الزناة; لقال: (والذين) ، كما قال في التي قبلها: (واللاتي يأتين الفاحشة) .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : كانت (واللاتي يأتين الفاحشة) خاصة على النساء دون الرجال; يعني: البكر والثيب، والتي بعدها على الرجال; يعني: البكر والثيب، قال: ثم نسخت بالحد المفروض، وهذا القول أشبه باللغة; إذ لا يغلب المؤنث على المذكر إلا بدليل، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      روي عن ابن عباس أنه قال: هي منسوخة بقوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48]، فحرم الله المغفرة على من مات كافرا، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أكثر العلماء: إنها ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية; من أن المرأة إذا [ ص: 200 ] مات عنها زوجها; كان ابنه أو قريبه أحق بها من نفسها، فإن شاء; نكحها، وإن شاء; عضلها حتى تموت، روي ذلك عن ابن عباس ، وعكرمة ، وغيرهما; فالمعنى على هذا: لا يحل لكم أن ترثوا آباءكم وأقرباءكم نكاح نسائهم كرها، وقيل: المعنى: لا ترثوا النساء تركاتهن كرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: كانوا يعضلون أياماهم، وهن كارهات للعضل حتى يمتن;فيرثوهن، روي عن ابن عباس أيضا، والزهري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) أي: لا تحبسوهن عن نكاح من أردن نكاحه حتى يمتن; فتأخذوا من أموالهن ما كان أعطاهن موتاكم من صدقاتهن، روي معناه عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      السدي ، والضحاك ، وغيرهما: المعنى: لا تحبسوهن ضرارا وليس بكم حاجة إليهن; ليفتدين منكم ببعض ما أعطيتموهن، وروي نحوه عن ابن عباس أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      عن ابن زيد : نهي الزوج بعد فراقه المرأة عن عضلها عن التزويج، وكان ذلك من فعل أهل الجاهلية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 201 ] (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) : فيحل لكم حينئذ عضلهن والإضرار بهن;لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتهن، قاله الحسن ، والسدي ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الفاحشة) : قيل: هي ههنا: الزنا، وقال ابن عباس والضحاك : الفاحشة: النشوز، وقيل: هي على العموم، يدخل فيه النشوز والأذى والبذاء، وكل امرأة أتت بفاحشة من الفواحش فلزوجها عضلها والتضييق عليها حتى تفتدي منه إذا كانت الفاحشة ظاهرة مبينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) إلى قوله: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) : قال بعض العلماء: هذه الآية منسوخة بقوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) إلى قوله: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: إن قوله: (فلا تأخذوا منه شيئا) ناسخ للذي في (البقرة) ، وقد تقدم القول في ذلك، واختلاف العلماء فيه في (سورة البقرة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) : يحتمل أن تكون (ما) في قوله: (ما نكح) بمعنى (من) ، فيكون المعنى: ولا تتزوجوا النساء اللواتي تزوجهن آباؤكم إلا ما قد سلف من فعلكم قبل الإسلام; فإنه كان [ ص: 202 ] فاحشة ومقتا، وهو مغفور لكم، فلا تعودوا إلى مثله، والاستثناء منقطع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (كان فاحشة) : (كان) زائدة، في قول المبرد .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : لو كانت زائدة; لكان (فاحشة) بالرفع، لكن المعنى: إنه كان عندهم مستقبحا في الجاهلية، [يسمونه فاحشة ومقتا; فأعلم الله أن هذا الذي حرمه كان مستقبحا في الجاهلية] ممقوتا، وكانوا يسمون الولد من ذلك: المقتي.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الطبري إلى أن المعنى: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم إلا ما قد سلف في الجاهلية; فإنه كان فاحشة، فـ (من) متعلقة بـ(تنكحوا) ، و (ما نكح) مصدر، والاستثناء منقطع.

                                                                                                                                                                                                                                      قال: ولو كان المعنى: ولا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم; لوجب أن يكون موضع (ما) (من) .

                                                                                                                                                                                                                                      فالنهي على هذا إنما وقع على ألا ينكحوا مثل نكاح آبائهم الفاسد، وأجمع العلماء على تحريم ما عقد [عليه الآباء على الأبناء]، وما عقد عليه الأبناء [ ص: 203 ] على الآباء، كان مع العقد وطء أو لم يكن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية