ذكر المفسرون: أن التوراة افتتحت بقوله: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض الآية، وختمت بقوله: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك [الإسراء: 111]، إلى آخر الآية.
وجعل الظلمات والنور أي: خلقهما.
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أي: يعدلون به غيره; أي: يسوونه به، [ ص: 552 ] والمراد بـ (الذين كفروا) ههنا: عبدة الأوثان، عن الحسن، وغيرهما، وقال وقتادة، ابن أبزى: المراد بها: جميع الكفار.
وقيل: المراد بها: الثنائية القائلون: بالنور والظلمة، وبأن ما كان في المخلوقات من خير; فهو من النور، وما كان فيها من شر; فهو من الظلمة.
هو الذي خلقكم من طين يعني: آدم عليه السلام، عن الحسن، وغيرهما، وقيل: المعنى: أن أصل النطفة طين. وقتادة،
ثم قضى أجلا : ليست (ثم) لترتيب زمان بعد زمان; لأن [وإنما هي لإتيان خبر بعد خبر; [ ص: 553 ] والمعنى: أخبركم أن الله خلق السماوات والأرض]، وجعل الظلمات والنور، وخلق الله عز وجل قضى الآجال قبل خلق السماوات والأرض آدم من طين، ثم أخبركم أنه قضى أجلا، ومثله قول الشاعر: [من الخفيف]
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد بعد ذلك جده
قال ابن عباس، معنى الآية: وقضى أجلا لانقضاء الدنيا، ومجاهد: وأجل مسمى عنده : لابتداء الآخرة.
قتادة أجل الحياة إلى الموت، وأجل الموت إلى البعث. والضحاك:
وقيل: الأجل الأول: قبض الروح في النوم، والثاني: قبض الروح عند الموت، عن أيضا. ابن عباس
وقيل: الأول: ما أعلمناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني: يوم القيامة.
وقيل: الأول: ما نعرفه من الأهلة ونحوها، والثاني: موت الإنسان الذي انفرد الله تعالى بعلمه.
ثم أنتم تمترون أي: تشكون.
وهو الله في السماوات وفي الأرض الآية: قيل: المعنى: وهو الإله المعبود فيهما، وقيل: هو خبر بعد خبر; كأنه قال: وهو الله في السماوات، وهو الله في الأرض.
(في): متعلقة بما دل عليه اسم الله عز وجل; والمعنى: وهو [ ص: 554 ] الخالق العالم بما يصلح به أمر السماء والأرض، المنفرد بالتدبير فيهما، كما يقال: «أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب». وقيل: هو على تقدير الحذف; والمعنى: وهو الله مدبر في السماوات وفي الأرض. الزجاج:
وقيل: إن (في) متعلقة بـ (يعلم) على أحد وجهين: إما أن تكون تمام الكلام: وهو الله في السماوات ، ثم ابتداء: وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ، وإما أن يكون التمام على قوله: (وهو الله)، ثم ابتداء: في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ، فـ (يعلم) يراد به التقديم في الوجهين; ومعنى ذلك: أنه معبود ومدبر في كل مكان، ويجوز الوقف على (في السماوات) أيضا، إذا قدرته خبرا بعد خبر.
ولا يجوز أن تتأول الآية على معنى الحلول وشغل الأمكنة; لاستحالة وصف الباري سبحانه بذلك.
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم : (من) الأولى: لاستغراق الجنس، والثانية: للتبعيض.
فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون : قيل: يعني به: ما نالهم يوم بدر ونحوه، وقيل: يوم القيامة.
[ ص: 555 ] وقوله: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن : قيل: إن (القرن) ستون عاما، وقيل: سبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: مئة، والتقدير: من أهل قرن، وقيل: (القرن): كل عالم في عصر، مأخوذ من الاقتران; أي: عالم مقترن بعضه إلى بعض، فلا يحتاج على هذا إلى تقدير حذف.
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم : خروج من الغيبة إلى الخطاب; لأنهم دخل معهم غيرهم من الحاضرين في ذلك الزمان، ولو جاء على ما تقدم من الغيبة; لقال: ما لم نمكن لهم.
وقوله: وأرسلنا السماء عليهم مدرارا : مدرارا: بناء دال على التكثير; كـ (مذكار)، و (ومئناث) في المرأة التي كثرت ولادتها الذكور أو الإناث، والمعنى: تدر عليهم المطر.
ولو نـزلنا عليك كتابا في قرطاس الآية: (القرطاس): الصحيفة، عن وغيره، وذكر معه (الكتاب); لأن (الكتاب) مصدر بمعنى: الكتابة، فهي تكون في القرطاس، وهذا جواب لقولهم: ابن عباس، حتى تنـزل علينا كتابا نقرؤه [الإسراء: 93]، فأعلم الله تعالى بما سبق في علمه من أنه لو نزل لكذبوا به.
وقالوا لولا أنـزل عليه ملك أي: في صورته يرونه.
[ ص: 556 ] ولو أنـزلنا ملكا لقضي الأمر أي: لأهلكوا بعذاب الاستئصال، عن الحسن، وغيرهما. وقتادة،
لو رأوا الملك على صورته; لماتوا. ابن عباس:
مجاهد، معنى، (لقضي الأمر): لقامت القيامة. وعكرمة:
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا أي: في صورة رجل، كما جرت عادة الأنبياء; لأن البشر لا يقدرون على النظر إلى الملك على صورته.
وللبسنا عليهم ما يلبسون أي: وللبسنا عليهم كما يلبسون على أنفسهم.
وللبسنا عليهم كما يلبسون على ضعفتهم، وأصل ذلك: من التغطية والتستر بالثوب ونحوه. الزجاج:
وقوله: فحاق بالذين سخروا منهم أي: من الأنبياء.
ما كانوا به يستهزئون يعني: العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا أوعدتهم به الأنبياء، وقيل: المعنى: جزاء استهزائهم.
[ ص: 557 ] ومصدر (حاق): حيقا، وحيوقا، وحيقانا; وهو حلول المكروه بالإنسان.
وقيل: أصله: حق بهم، فقلبت القاف المدغمة، كما قلبت في (تسريت)، وشبهه.
قل سيروا في الأرض الآية: أمروا أن يعتبروا بآثار من خلا من الأمم.
قل لمن ما في السماوات والأرض الآية: اللام في (لمن): لام الملك، ومعنى (كتب): أوجب.
(قل لله) جواب لمضمر; كأنه لما قال لهم: (لمن ما في السماوات والأرض); قالوا: لمن هو؟ فقال: (لله).
ليجمعنكم إلى يوم القيامة : قيل: تمام الكلام عند قوله: (الرحمة)، ويكون ما بعده تبيينا; لأن معنى (ليجمعنكم إلى يوم القيامة): ليمهلنكم.
وقيل: المعنى: كتب على نفسه ليجمعنكم إلى يوم القيامة.
وقيل: إن ( إلى) بمعنى: في]، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبو هريرة «كتب الله كتابا قبل الخلق; إن رحمتي سبقت غضبي».
[ ص: 558 ] وله ما سكن في الليل والنهار » أي: ما سكن وما تحرك، فحذف; لعلم السامع، وقيل: خص الساكن بالذكر; لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة.
وقوله: فاطر السماوات والأرض :(الفاطر): المبتدئ الخلق، وأصل (الفطر): الشق.
وهو يطعم ولا يطعم أي: يرزق ولا يرزق، وخص الإطعام من دون غيره من ضروب الإنعام; لأن الحاجة إليه أشد لجميع الأنام.
قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم أي: استسلم لأمر الله عز وجل.
الحسن: المعنى: أول من أسلم من أمته.
ولا تكونن من المشركين : [أي: قيل لي: ولا تكونن من المشركين ].
من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه أي: من يصرف الله عنه العذاب يوم القيامة; فقد أوجب له الرحمة بالثواب، والفوز، والنجاة.
(المبين) بمعنى: البين.
وإن يمسسك الله بضر (المس): من صفات الأجسام، وهو ههنا مجاز; والمعنى: إن يحل بك ضرا.
وهو القاهر فوق عباده ; (القهر): القدرة على الغلبة، ومعنى (فوق عباده): أي: استعلى عليهم قهره.
قل أي شيء أكبر شهادة الآية: قال قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: من يشهد [ ص: 559 ] لك؟ فنزلت الآية. الحسن:
ومعنى قل الله : أي: انفراده بالربوبية وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة.
وأوحي إلي هذا القرآن يقول: والقرآن شاهد بنبوتي.
لأنذركم به ومن بلغ أي: ومن بلغه القرآن، فحذفت الهاء لطول الكلام.
وقيل: المعنى: ومن بلغ الحلم.
وقيل: لأنذركم به أيها العرب، ومن بلغه من العجم.
(من بلغ): من أسلم. مجاهد: