المراد بقوله: وجعلوا لله شركاء الجن : مشركو العرب، ومعنى إشراكهم الجن: أنهم أطاعوهم كطاعة الله تعالى، روي ذلك عن وغيره. الحسن،
قتادة، هم الذين قالوا: الملائكة بنات الله. والسدي:
وقيل: معنى جعلهم إياهم شركاء: أنهم نسبوا إليهم الأفعال التي لا تكون إلا لله عز وجل.
وخلقهم : قيل: معناه: وخلق الجاعلين له شركاء، وقيل: معناه: وخلق الجن.
وخرقوا له بنين ; أي: افتروا عليه كذبا، (خرق)، و (اخترق)، و (خرق); [ ص: 642 ] بالتشديد على التكثير.
أنى يكون له ولد أي: كيف يكون له ولد من غير صاحبة؟
وخلق كل شيء يعني: من المخلوقات، ولا يدخل في ذلك كلامه، ولا غيره من صفات ذاته، وحمل مثل هذا على العموم لا يلزم، ولو لزم ذلك; للزم ملزمه أن يحمل: كل نفس ذائقة الموت [الأنبياء: 35] على العموم، وأن يحمل قوله:
تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف: 25]، و وأوتيت من كل شيء [النمل: 23]، وشبهه على العموم، وذلك باطل، وقد قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء [الأعراف: 156]، وهي لا تسع إبليس ولا الكفار.
لا تدركه الأبصار أي: لا تدركه جسما، ولا مصورا، ولا محدودا، كما تدرك سائر المخلوقات.
وقيل: المعنى: لا تدركه الأبصار المخلوقة في الدنيا، لكنه يخلق لمن يريد كرامته في الآخرة بصرا يقدر أن يراه به في الآخرة.
وقيل: المعنى: لا تدركه أبصار القلوب; أي: لا تدركه العقول فتتوهمه; إذ ليس كمثله شيء.
لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بها. ابن عباس:
لا تدركه الأبصار في الدنيا. السدي:
[ ص: 643 ] ويدل على جواز قوله: رؤية الله عز وجل في الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22-23]، فدخول (إن) دليل على أنه نظر العين، ولا معنى لقول من قال: إنه من الانتظار، وإن المعنى: ثواب ربها منتظرة; لأن العرب لا تقول: (نظرت إليه) بمعنى: انتظرته، إنما تقول: (نظرته)، و (انتظرته)، ولا يقولون أيضا: (انتظرت زيدا) بمعنى: انتظرت عطاءه، أو نحوه; لما في ذلك من تغيير المعاني; فإنما يضاف النظر إلى الوجوه، والانتظار إلى القلوب; وإنما أضيف النظر إلى الوجوه، والمراد: العيون; لأنها في الوجوه.
وكذلك قول من قال: إن (إلى) واحد (الآلاء)، وليس بحرف جر، والتقدير عنده: نعمة ربها منتظرة; محال ظاهر الفساد; لأنه قد أخبر عن الوجوه بأن النعيم قد حل بها في قوله: وجوه يومئذ ناضرة ; فكيف يجوز أن يخبر عنها بأنها تنتظر ما قد حلت فيه؟! وهل يجوز أن تقول: (أنا أنتظر زيدا)، وأنت معه؟!
وقوله: فمن أبصر فلنفسه أي: لنفسه نفع إبصاره.
ومن عمي فعليها أي: على نفسه ضرر عماه.
وقوله: وكذلك نصرف الآيات أي: ومثل هذا التصريف نصرف الآيات، وليقولوا درست نصرفها; أي: وليقولوا: قرأت الكتب.
وقوله: وأعرض عن المشركين : منسوخ حسب ما تقدم في أمثاله.
[ ص: 644 ] ولو شاء الله ما أشركوا : هذا إبطال لمذاهب القدرية.
(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) : كان المسلمون يسبون الأصنام، فيسب المشركون الله عز وجل، قاله وغيره. قتادة،
كذلك زينا لكل أمة عملهم : زين للكافرين كفرهم مجازاة على ترك الاجتهاد.
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها : قيل: إن الآية التي أقسموا عليها اقتراحهم أن يحول لهم الصفا ذهبا، وشبهها من الآيات التي اقترحوها.
قل إنما الآيات عند الله أي: ليس لكم أن تقترحوا على الله; لأنه أعلم بما فيه الصلاح من الآيات التي يظهرها.
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون : قال مجاهد، المخاطب بهذا المشركون، وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ: (تؤمنون); بالتاء. وابن زيد:
وغيره: الخطاب للمؤمنين; لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله; لو نزلت الآية التي اقترحوها لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى: الفراء، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ; فيجوز على هذا أن يكون (أن) بمعنى: (لعل); والمعنى: وما يشعركم - أيها المؤمنون- لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، حكي عن العرب: (ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا); أي: لعلك، قال أبو النجم: [من الرجز] [ ص: 645 ]
قلت لشيبان ادن من لقائه أنا نغدى اليوم من شوائه
وقيل: إن في الكلام حذفا; والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، أو يؤمنون.
وقيل: إن (لا) زائدة; والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
ومن كسر; فقوله: (وما يشعركم) تمام; أي: وما يشعركم - أيها المؤمنون - أنهم يؤمنون، وأنتم لا تعلمون الغيب، ثم استأنف الإخبار، فكسر (أن).