بيان حقيقة الدنيا في نفسها وأشغالها التي استغرقت همم الخلق حتى أنستهم .
أنفسهم ، وخالقهم ، ومصدرهم وموردهم :
اعلم أن وله في إصلاحها شغل ، فهذه ثلاثة أمور قد يظن ، أن الدنيا عبارة عن آحادها ، وليس كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها ، فهي الأرض ، وما عليها . قال الله تعالى : الدنيا عبارة عن أعيان موجودة ، وللإنسان فيها حظ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا فالأرض فراش للآدميين ، ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ، ومطعم ، ومشرب ، ومنكح .
ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام : المعادن ، والنبات ، والحيوان .
أما النبات فيطلبه الآدمي للاقتيات والتداوي ، وأما المعادن فيطلبها للآلات ، والأواني كالنحاس والرصاص وللنقد كالذهب ، والفضة ولغير ذلك من المقاصد ، وأما الحيوان ، فينقسم إلى الإنسان ، والبهائم .
أما البهائم فيطلب منها لحومها للمآكل ، وظهورها للمركب والزينة .
وأما الإنسان ، فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم ، ويستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها بأن يغرس فيها التعظيم ، والإكرام ، وهو الذي يعبر عنه بالجاه ; إذ معنى الجاه ملك قلوب الآدميين . فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا ، وقد جمعها الله تعالى في قوله : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين وهذا من الإنس والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وهذا من الجواهر ، والمعادن ، وفيه تنبيه على غيرها من اللآلئ ، واليواقيت ، وغيرها والخيل المسومة والأنعام ، وهي البهائم ، والحيوانات والحرث ، وهو النبات ، والزرع .
فهذه هي أعيان الدنيا ، إلا أن لها مع العبد علاقتين : علاقة مع القلب ، وهو حبه لها ، وحظه منها ، وانصراف همه إليها حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا ، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المعلقة بالدنيا كالكبر ، والغل ، والحسد ، والرياء ، والسمعة ، وسوء الظن ، والمداهنة ، وحب الثناء ، وحب التكاثر ، والتفاخر ، وهذه هي الدنيا الباطنة ، وأما الظاهرة ، فهي الأعيان التي ذكرناها .
العلاقة . الثانية مع البدن ، وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه ، وحظوظ غيره ، وهي جملة الصناعات ، والحرف التي الخلق مشغولون بها .