ثم إن وذلك لسببين ; أحدهما : حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان ، ولا يكون ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى ، وعشرتهما . الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده ، بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من أبناء جنسه
والثاني : التعاون على تهيئة أسباب المطعم والملبس ، ولتربية الولد ، فإن الاجتماع يفضي إلى الولد لا محالة والواحد ، لا يشتغل بحفظ الولد ، وتهيئة أسباب القوت ، ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل ، والولد في المنزل ، بل لا يمكنه أن يعيش كذلك ما لم تجتمع طائفة كثيرة ; ليتكفل كل واحد بصناعة فإن الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده ، وهو يحتاج إلى آلاتها وتحتاج الآلة إلى حداد ، ونجار ويحتاج الطعام إلى طحان وخباز وكذلك كيف ينفرد بتحصيل الملبس ، وهو يفتقر إلى حراسة القطن وآلات الحياكة والخياطة وآلات كثيرة فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده ، وحدثت الحاجة إلى الاجتماع ثم لو اجتمعوا في صحراء مكشوفة لتأذوا بالحر والبرد والمطر ، واللصوص فافتقروا إلى أبنية محكمة ، ومنازل ينفرد كل أهل بيت به ، وبما معه من الآلات والأثاث والمنازل تدفع الحر والبرد والمطر وتدفع أذى الجيران من اللصوصية ، وغيرها لكن ، المنازل قد تقصدها جماعة من اللصوص خارج المنازل ، فافتقر أهل المنازل إلى التناصر والتعاون ، والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل ، فحدثت البلاد لهذه الضرورة .