ثم هذه الأموال التي تنقل لا يقدر الإنسان على حملها فتحتاج إلى دواب تحملها ، ويصير الكراء نوعا من الاكتساب أيضا ، ثم يحدث بسبب البياعات الحاجة إلى النقدين فإن من يريد أن يشتري طعاما بثوب ، فمن أين يدري المقدار الذي يساويه من الطعام كم هو ، والمعاملة تجري في أجناس مختلفة ، كما يباع ثوب بطعام ، وحيوان بثوب ، وهذه أمور لا تتناسب ، فلا بد من حاكم عدل يتوسط بين المتبايعين يعدل أحدهما بالآخر ، فيطلب ذلك العدل من أعيان الأموال ، ثم يحتاج إلى مال يطول بقاؤه ; لأن الحاجة إليه تدوم . وصاحب المال قد لا تكون له دابة ، فتحدث معاملة بينه وبين مالك الدابة تسمى الإجارة
وأبقى الأموال المعادن فاتخذت النقود من الذهب ، والفضة ، والنحاس ثم مست الحاجة إلى الضرب ، والنقش ، والتقدير فمست الحاجة إلى دار الضرب والصيارفة وهكذا تتداعى الأشغال ، والأعمال بعضها إلى بعض حتى انتهت إلى ما تراه فهذه أشغال الخلق ، وهي معاشهم وشيء من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا بنوع تعلم ، وتعب في الابتداء وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا ، فلا يشتغل به ، أو يمنعه عنه مانع فيبقى عاجزا عن الاكتساب ; لعجزه عن الحرف ، فيحتاج إلى أن يأكل مما يسعى فيه غيره فيحدث ، منه حرفتان خسيستان : اللصوصية والكدية إذ يجمعهما أنهما يأكلان من سعي غيرهما ، ثم الناس يحترزون من اللصوص ، والمكدين ، ويحفظون عنهم أموالهم فافتقروا إلى صرف عقولهم في استنباط الحيل والتدابير أما اللصوص ، فمنهم من يطلب أعوانا ويكون في يديه شوكة وقوة ، فيجتمعون ، ويتكاثرون ، ويقطعون الطريق ، كالأعراب والأكراد وأما الضعفاء منهم فيفزعون إلى الحيل إما بالنقب أو التسلق عند انتهاز فرصة الغفلة وإما بأن يكون طرارا أو سلالا إلى غير ذلك من أنواع التلصص الحادثة بحسب ما تنتجه الأفكار المصروفة إلى استنباطها .