الرابع : كمراءاة المصلي بطول القيام ومد الظهر وطول السجود والركوع ، وإطراق الرأس ، وترك الالتفات وإظهار الهدوء والسكون وتسوية القدمين واليدين وكذلك بالصوم والغزو والحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات ، في المشي عند اللقاء ، كإرخاء الجفون ، وتنكيس الرأس ، والوقار في الكلام ، حتى إن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه أحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس ؛ خوفا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار ، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا ، رآه عاد إلى خشوعه ، ولم يحضره ذكر الله حتى يكون يجدد الخشوع له ، بل هو لاطلاع إنسان عليه ، يخشى أن لا يعتقد فيه أنه من العباد والصلحاء ومنهم من إذا سمع هذا استحيا من أن تخالف مشيته في الخلوة مشيته بمرأى من الناس ، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ، ويظن أنه يتخلص به عن الرياء وقد ، تضاعف به رياؤه ؛ فإنه صار في خلوته أيضا مرائيا ، فإنه إنما يحسن مشيته في الخلوة ليكون كذلك في الملإ لا لخوف من الله وحياء منه . الرياء بالعمل ،
وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر والاختيال ، وتحريك اليدين وتقريب الخطا ، والأخذ بأطراف الذيل وإدارة العطفين ؛ ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة .
الخامس : المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يستزير عالما من العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا ، أو عابدا من العباد ليقال : إن أهل الدين يتبركون بزيارته ، ويترددون إليه ، أو ملكا من الملوك أو عاملا من عمال السلطان ؛ ليقال ؛ إنهم يتبركون به لعظم رتبته في الدين .
وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليري أنه لقي شيوخا كثيرة ، واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ومباهاته ومراءاته تترشح منه عند مخاصمته ، فيقول لغيره ومن : لقيت من الشيوخ ? وأنا قد لقيت فلانا وفلانا ودرت البلاد وخدمت الشيوخ وما يجري مجراه فهذه مجامع ما يرائي به المراءون ، وكلهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد .
ومنهم من يقنع بحسن الاعتقادات فيه ، فكم من راهب انزوى إلى ديره سنين كثيرة ! وكم من عابد اعتزل إلى قلة جبل مدة مديدة ! وإنما خبأته من حيث علمه بقيام جاهه في قلوب الخلق ، ولو عرف أنهم نسبوه إلى جريمة في ديره أو صومعته لتشوش قلبه ولم يقنع بعلم الله ببراءة ساحته بل يشتد لذلك غمه ، ويسعى بكل حيلة في إزالة ذلك من قلوبهم ، مع أنه قد قطع طمعه من أموالهم ولكنه يحب مجرد الجاه ؛ فإنه لذيذ ، كما ذكرناه في أسبابه فإنه نوع قدرة وكمال في الحال ، وإن كان سريع الزوال ، لا يغتر به إلا الجهال ، ولكن أكثر الناس جهال .