بيان درجات الرياء .
اعلم أن واختلافه باختلاف أركانه وتفاوت الدرجات فيه ، وأركانه ثلاثة : المراءى به ، والمراءى لأجله ، ونفس قصد الرياء . بعض أبواب الرياء أشد وأغلظ من بعض ،
الركن الأول : نفس قصد الرياء وذلك لا يخلو إما أن يكون مجردا دون إرادة عبادة الله تعالى والثواب ، وإما أن يكون مع إرادة الثواب ، فإن كان كذلك فلا يخلو إما أن تكون إرادة الثواب أقوى وأغلب ، أو أضعف ، أو مساوية لإرادة العبادة ، فتكون الدرجات أربعا .
الأولى : وهي أغلظها ، أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس ولو انفرد لكان لا يصلي ، بل ربما يصلي من غير طهارة مع الناس ، فهذا جرد قصده إلى الرياء ، فهو الممقوت عند الله تعالى .
وكذلك من يخرج الصدقة ؛ خوفا من مذمة الناس ، وهو لا يقصد الثواب ولو ، خلا بنفسه لما أداها ، فهذه الدرجة العليا من الرياء .
. الثانية : أن يكون له قصد الثواب أيضا ، ولكن قصدا ضعيفا ، بحيث لو كان في الخلوة لكان لا يفعله ، ولا يحمله ذلك القصد على العمل ، ولو لم يكن قصد الثواب لكان الرياء يحمله على العمل ، فهذا قريب مما قبله .
وما فيه من شائبة قصد ثواب لا يستقل بحمله على العمل ، لا ينفي عنه المقت والإثم .
الثالثة : أن يكون له قصد الثواب وقصد الرياء متساويين ، بحيث لو كان كل واحد منهما خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل ، فلما اجتمعا انبعثت الرغبة ، أو كان كل واحد منهما لو انفرد لاستقل بحمله على العمل ، فهذا قد أفسد مثل ما أصلح ، فنرجو أن يسلم رأسا برأس ، لا له ولا عليه ، أو يكون له من الثواب مثل ما عليه من العقاب ، وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم ، وقد تكلمنا عليه في كتاب الإخلاص .
الرابعة : أن يكون اطلاع الناس مرجحا ومقويا لنشاطه ولو لم يكن لكان لا يترك العبادة ، ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم عليه ، فالذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ، ولكنه ينقص منه أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ، ويثاب على مقدار قصد الثواب وأما قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى « أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان قصد الرياء أرجح .