والقناعة بعلمه ولا يخطر بقلبه معرفة الناس زهده ، واستعظامهم محله فإن ذلك يغرس الرياء في صدره حتى تتيسر عليه العبادات في خلوته به وإنما سكوته لمعرفة الله باعتزاله ، واستعظامهم لمحله ، وهو لا يدري أنه المخفف للعمل عليه . وأما الزاهد المعتزل عن الناس فينبغي له أن يلزم قلبه ذكر الله
قال رحمه الله تعلمت المعرفة من راهب يقال له : إبراهيم بن أدهم سمعان ، دخلت عليه في صومعته فقلت : يا سمعان منذ كم أنت في صومعتك قال : منذ سبعين سنة ، قلت :
فما طعامك قال يا حنيفي وما دعاك إلى هذا قلت : أحببت أن أعلم ، قال : في كل ليلة حمصة ، قلت : فما الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة ? قال : ترى الدير الذي بحذائك ? قلت : نعم ، قال : إنهم يأتوني في كل سنة يوما واحدا ، فيزينون صومعتي ، ويطوفون حولها ويعظموني ، فكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها عز تلك الساعة ، فأنا أحتمل جهد سنة لعز ساعة ، فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد ، فوقر في قلبي المعرفة . فقال : حسبك أو أزيدك قلت : بلى قال أنزل : عن الصومعة ، فنزلت ، فأدلى لي ركوة فيها عشرون حمصة ، فقال لي : ادخل الدير ، فقد رأوا ما أدليت إليك ، فلما دخلت الدير اجتمع علي النصارى ، فقالوا : يا حنيفي ما الذي أدلى إليك الشيخ قلت من قوته ، قالوا فما : تصنع به ونحن ؟! أحق به ، ثم قالوا : ساوم ، قلت : عشرون دينارا ، فأعطوني عشرين دينارا ، فرجعت إلى الشيخ ، فقال : يا حنيفي ، ما الذي صنعت ? قلت : بعته منهم ، قال : بكم ? قلت : بعشرين دينارا ، قال : أخطأت ، لو ساومتهم بعشرين ألف دينار لأعطوك ، هذا عز من لا تعبده فانظر كيف يكون عز من تعبده ؟! يا حنيفي أقبل على ربك ودع الذهاب والجيئة .