الثالث : فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب ، وإن كان أرفع منه عملا وعلما ، وقد يتكبر بعضهم فيرى أن الناس له أموال وعبيد ويأنف من مخالطتهم ومجالستهم وثمرته على اللسان التفاخر به فيقول لغيره : يا نبطي يا هندي ويا أرمني من أنت ? ومن أبوك فأنا ؟ فلان ابن فلان وأين ، لمثلك أن يكلمني ، أو ينظر إلي ، ومع مثلي تتكلم ؟! وما يجري مجراه . التكبر بالحسب والنسب ،
وذلك عرق دفين في النفس ، لا ينفك عنه نسيب وإن كان صالحا وعاقلا ، إلا أنه قد لا يترشح منه ذلك عند اعتدال الأحوال ، فإن غلبه غضب أطفأ ذلك نور بصيرته ، وترشح منه ، كما روي عن أنه قال : قاولت رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : يا ابن السوداء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر طف الصاع طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل ، قال أبي ذر رحمه الله: فاضطجعت، وقلت للرجل قم فطأ على خدي أبو ذر ، فانظر كيف نبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى لنفسه فضلا بكونه ابن بيضاء، وأنه خطأ وجهل، وانظر كيف تاب، وقلع من نفسه شجرة الكبر بأخمص قدم من تكبر عليه؛ إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل .
ومن ذلك ما روي موسى عليه السلام فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان، حتى عد تسعة، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام قل للذي افتخر: بل التسعة من أهل النار، وأنت عاشرهم . أن رجلين تفاخرا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما للآخر : أنا فلان ابن فلان، فمن أنت لا أم لك؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتخر رجلان عند
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحما في جهنم ، أو ليكون أهون على الله من الجعلان التي تدوف بآنافها القذر