الخامس : وبين الدهاقين في أراضيهم ، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم ، فيستحقر الغني الفقير ، ويتكبر عليه ، ويقول له : أنت مكد ومسكين ، وأنا لو أردت لاشتريت مثلك ، واستخدمت من هو فوقك ، ومن أنت ? وما معك ? وأثاث بيتي يساوي أكثر من جميع مالك ، وأنا أنفق في اليوم ما لا تأكله في سنة وكل ذلك لاستعظامه للغنى ، واستحقاره للفقر ، وكل ذلك جهل منه بفضيلة الفقر وآفة الغنى ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : الكبر بالمال ، وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم ، وبين التجار في بضائعهم ، فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا حتى أجابه فقال : إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وكان ذلك منه تكبرا بالمال والولد .
ثم بين الله عاقبة أمره بقوله : يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ومن ذلك تكبر قارون إذ قال تعالى إخبارا عن تكبره : فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم .
السادس : الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف .
السابع : والتلامذة والغلمان وبالعشيرة والأقارب والبنين ، ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين . التكبر بالأتباع والأنصار
وبالجملة : فكل ما هو نعمة ، وأمكن أن يعتقد كمالا وإن لم يكن في نفسه كمالا أمكن أن يتكبر به ، حتى إن المخنث ليتكبر على أقرانه بزيادة معرفته وقدرته في صنعة المخنثين ؛ لأنه يرى ذلك كمالا ، فيفتخر به ، وإن لم يكن فعله إلا نكالا وكذلك الفاسق قد يفتخر بكثرة الشرب وكثرة الفجور بالنسوان والغلمان ، ويتكبر به ؛ لظنه أن ذلك كمال ، وإن كان مخطئا فيه .
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض ، فيتكبر من يدلي بشيء منه على من لا يدلي به ، أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده .
وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى ، كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من هو أعلم منه لظنه أنه هو الأعلم ولحسن ، اعتقاده في نفسه .
نسأل الله العون بلطفه ورحمته إنه على كل شيء قدير .