السبب السابع : ، وذلك أيضا فتنة عظيمة على العباد وسبيله أن يلزم قلبه التواضع لسائر العباد ، وهو أن يعلم أن من يتقدم عليه بالعلم لا ينبغي أن يتكبر عليه كيفما كان ؛ لما عرفه من فضيلة العلم ، وقد قال تعالى التكبر بالورع والعبادة هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقال صلى الله عليه وسلم : إلى غير ذلك مما ورد في فضل العلم . فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي
فإن قال العابد : ذلك لعالم عامل بعلمه ، وهذا عالم فاجر ؟ فيقال له : أما عرفت أن ، وكما أن العلم يمكن أن يكون حجة على العالم فكذلك يمكن أن يكون وسيلة له ، وكفارة لذنوبه ، وكل واحد منهما ممكن ، وقد وردت الأخبار بما يشهد لذلك وإذا ، كان هذا الأمر غائبا عنه لم يجز له أن يحتقر عالما ، بل يجب عليه التواضع له . الحسنات يذهبن السيئات
فإن قلت : فإن صح هذا فينبغي أن يكون للعالم أن يرى نفسه فوق العابد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : . « فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي »
فاعلم أن ذلك كان ممكنا لو علم العالم عاقبة أمره ، وخاتمة الأمر مشكوك فيها فيحتمل أن يموت بحيث يكون حاله عند الله أشد من حال الجاهل الفاسق لذنب واحد كان يحسبه هينا وهو عند الله عظيم ، وقد مقته به وإذا كان هذا ممكنا كان على نفسه خائفا . فإذا كان كل واحد من العابد والعالم خائفا على نفسه ، وقد كلف أمر نفسه لا أمر غيره فينبغي أن يكون ، الغالب عليه في حق نفسه الخوف ، وفي حق غيره الرجاء ، وذلك يمنعه من التكبر بكل حال .
فهذا العابد مع العالم . فأما مع غير العالم فهم منقسمون : في حقه إلى مستورين وإلى مكشوفين ، فينبغي أن لا يتكبر على المستور فلعله أقل عنه ذنوبا ، وأكثر منه عبادة ، وأشد منه حبا لله .
وأما المكشوف حاله إن لم يظهر لك من الذنوب إلا ما تزيد عليه ذنوبك في طول عمرك .
فلا ينبغي أن تتكبر عليه ، ولا يمكن أن تقول هو : أكثر مني ذنبا ؛ لأن عدد ذنوبك في طول عمرك وذنوب غيرك في طول العمر لا تقدر على إحصائها ؛ حتى تعلم الكثرة نعم يمكن أن تعلم أن ذنوبه أشد ، كما لو رأيت منه القتل والشرب والرياء ومع ذلك فلا ينبغي أن تتكبر عليه ؛ إذ ذنوب القلوب من الكبر والحسد والرياء والغل واعتقاد الباطل والوسوسة في صفات الله تعالى وتخيل الخطأ في ذلك ، كل ذلك شديد عند الله فربما جرى عليك في باطنك من خفايا الذنوب ما صرت به عند الله ممقوتا وقد جرى للفاسق الظاهر الفسق من طاعات القلوب من حب الله ، وإخلاص ، وخوف ، وتعظيم ما أنت خال عنه ، وقد كفر الله بذلك عنه سيئاته ، فينكشف الغطاء يوم القيامة ، فتراه فوق نفسك بدرجات ، فهذا ممكن ، والإمكان البعيد فيما عليك ينبغي أن يكون قريبا عندك إن كنت مشفقا على نفسك فلا تتفكر ، فيما هو ممكن لغيرك بل فيما هو مخوف في حقك ؛ فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى وعذاب غيرك لا يخفف شيئا من عذابك ، فإذا تفكرت في هذا الخطر كان عندك شغل شاغل عن التكبر ، وعن أن ترى نفسك فوق غيرك .
وقد قال وهب بن منبه ما تم عقل عبد حتى يكون فيه عشر خصال ، فعد تسعة حتى بلغ العاشر فقال العاشرة وما العاشرة : بها شاد مجده وبها علا ذكره أن يرى الناس كلهم خيرا منه .
وإنما الناس عنده فرقتان .
فرقة ، هي أفضل منه وأرفع ، وفرقة هي شر منه وأدنى .
فهو يتواضع للفرقتين جميعا بقلبه ، إن رأى من هو خير منه سره ذلك ، وتمنى أن يلحق به ، وإن رأى من هو شر منه قال : لعل هذا ينجو وأهلك أنا ، فلا تراه إلا خائفا من العاقبة ويقول : لعل بر هذا باطن فذلك خير له ، ولا أدري لعل فيه خلقا كريما بينه وبين الله ، فيرحمه الله ، ويتوب عليه ، ويختم له بأحسن الأعمال ويرى ، ظاهر ، فذلك شر لي .
فلا يأمن فيما أظهره من الطاعة أن يكون دخلها الآفات فأحبطتها . ثم قال : فحينئذ كمل عقله ، وساد أهل زمانه فهذا كلامه .