الرابع : حتى يظن بعضهم أنه ينجو بشرف نسبه ، ونجاة آبائه ، وأنه مغفور له ، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موال وعبيد وعلاجه : أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم ، وظن أنه ملحق بهم فقد جهل وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب بل الخوف والازدراء على النفس ، واستعظام الخلق ومذمة ، النفس ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب ، فليتشرف بما شرفوا به وقد ساواهم في النسب ، وشاركهم في القبائل من . لم يؤمن بالله واليوم الآخر وكانوا عند الله شرا من الكلاب ، وأخس من الخنازير ؛ ولذلك قال تعالى : العجب بالنسب الشريف كعجب الهاشمية يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى أي : لا تفاوت في أنسابكم ؛ لاجتماعكم في أصل واحد ثم ذكر فائدة النسب فقال : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ثم بين أن الشرف بالتقوى لا بالنسب ، فقال : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ولما يوم الفتح على بلال الكعبة، فقال الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وخالد بن أسيد هذا العبد الأسود يؤذن؟! فقال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكرم الناس ? من أكيس الناس ? لم يقل من ينتمي إلى نسبي ولكن قال أكرمهم : أكثرهم للموت ذكرا ، وأشدهم له استعدادا، وإنما نزلت هذه الآية حين أذن ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، أي: كبرها، كلكم بنو آدم، وآدم من تراب محمد يا محمد، فأقول هكذا ، أي: أعرض عنكم فبين أنهم إن مالوا إلى الدنيا لم ينفعهم نسب قريش، « يا معشر قريش لا تأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون ، بالدنيا تحملونها على رقابكم ، تقولون : يا محمد يا وأنذر عشيرتك الأقربين ناداهم بطنا بعد بطن حتى قال : يا يا فاطمة بنت محمد ، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعملا لأنفسكما؛ فإني لا أغني عنكما من الله شيئا صفية بنت عبد المطلب ، ، فمن عرف هذه الأمور وعلم أن ولما نزل قوله تعالى : ، وقد كان من عادة آبائه التواضع ، اقتدى بهم في التقوى والتواضع وإلا كان طاعنا في نسب نفسه بلسان حاله مهما انتمى إليهم ولم يشبههم في التواضع والتقوى والخوف والإشفاق . شرفه بقدر تقواه
فإن قلت : فقد لفاطمة إني لا أغني عنكما من الله شيئا إلا أن لكما رحما سأبلها ببلالها وصفية . قال صلى الله عليه وسلم بعد قوله
وقال صلى الله عليه وسلم: ، فذلك يدل على أنه سيخصص قرابته بالشفاعة ، فاعلم أن كل مسلم فهو منتظر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسيب أيضا جدير بأن يرجوها لكن بشرط أن يتقي الله أن يغضب عليه فإنه إن يغضب عليه ؛ فلا يأذن لأحد في شفاعته لأن ؛ الذنوب منقسمة إلى ما يوجب المقت فلا يؤذن في الشفاعة له وإلى ما يعفى عنه بسبب الشفاعة ، كالذنوب عند ملوك الدنيا ؛ فإن كل ذي مكانة عند الملك لا يقدر على الشفاعة فيما اشتد عليه غضب الملك ، فمن الذنوب ما لا تنجي منه الشفاعة ، وعنه العبارة بقوله تعالى : أترجو سليم شفاعتي ، ولا ترجوها بنو عبد المطلب ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وبقوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وبقوله ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له وبقوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين وإذا انقسمت الذنوب إلا ما يشفع فيه وإلا ما لا يشفع فيه ، وجب الخوف والإشفاق لا محالة ، ولو كان ذنب تقبل فيه الشفاعة لما أمر قريشا بالطاعة ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عن المعصية ولكان يأذن لها في اتباع الشهوات لتكمل لذاتها في الدنيا ثم يشفع لها في الآخرة لتكمل لذاتها في الآخرة .
فالانهماك في الذنوب ، وترك التقوى اتكالا على رجاء الشفاعة يضاهي انهماك المريض في شهواته اعتمادا على طبيب حاذق قريب مشفق من أب أو أخ أو غيره وذلك جهل ؛ لأن سعي الطبيب وهمته وحذقه تنفع في إزالة بعض الأمراض لا في كلها ، فلا يجوز ترك الحمية مطلقا اعتمادا على مجرد الطب ، بل للطبيب أثر على الجملة ، ولكن في الأمراض الخفيفة وعند غلبة اعتدال المزاج .
فهكذا ينبغي أن تفهم عناية الشفعاء من الأنبياء والصلحاء للأقارب والأجانب ؛ فإنه كذلك قطعا ، وذلك لا يزيل الخوف والحذر وكيف يزيل وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقد كانوا يتمنون أن يكونوا بهائم من خوف الآخرة مع كمال تقواهم ، وحسن أعمالهم ، وصفاء قلوبهم وما ، سمعوه من وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالجنة خاصة وسائر المسلمين بالشفاعة عامة ولم يتكلوا عليه ، ولم يفارق الخوف والخشوع قلوبهم ، فكيف يعجب بنفسه ويتكل على الشفاعة من ليس له مثل صحبتهم وسابقتهم .