الثامن: قال الله تعالى: العجب بالرأي الخطأ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، وقال تعالى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك يغلب على آخر هذه الأمة، وبذلك هلكت الأمم السالفة إذ افترقت فرقا ، فكل معجب برأيه ، وكل حزب بما لديهم فرحون وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم ، هو استحسان ما يسوق إليه الهوى والشهوة مع ظن كونه حقا والعجب بالبدعة أشد من علاج غيره ; لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه ، ولو عرفه لتركه ولا يعالج الداء الذي لا يعرف ، والجهل داء لا يعرف ، فتعسر مداواته جدا . وعلاج هذا العجب
لأن ، العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله ، ويزيله عنه إلا إذا كان معجبا برأيه وجهله ، فإنه لا يصغي إلى العارف ويتهمه ، فقد سلط الله عليه بلية تهلكه ، وهو يظنها نعمة فكيف يمكن علاجه ، وكيف يطلب الهرب مما هو سبب سعادته في اعتقاده وإنما علاجه على الجملة أن يكون متهما لرأيه أبدا ، لا يغتر به ، إلا أن يشهد له قاطع من كتاب أو سنة أو دليل عقلي صحيح جامع لشروط الأدلة ولن يعرف الإنسان أدلة الشرع والعقل ، وشروطها ، ومكامن الغلط فيها إلا بقريحة تامة وعقل ثاقب وجد وتشمر في الطلب وممارسة للكتاب والسنة ومجالسة لأهل العلم طول العمر ، ومدارسة للعلوم ومع ذلك فلا يؤمن عليه الغلط في بعض الأمور والصواب لمن لم يتفرع لاستغراق عمره في العلم أن لا يخوض في المذاهب ولا يصغي إليها ولا يسمعها ولكن يعتقد أن الله تعالى واحد لا شريك له ، وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأن رسوله صادق فيما أخبر به ويتبع سنة السلف ويؤمن بجملة ما جاء به الكتاب والسنة من غير بحث وتنقير ، وسؤال عن تفصيل بل يقول : آمنا وصدقنا ويشتغل بالتقوى واجتناب المعاصي وأداء الطاعات والشفقة على المسلمين وسائر الأعمال فإن خاض في المذاهب والبدع والتعصب في العقائد هلك من حيث لا يشعر .
هذا حق كل من عزم على أن يشتغل في عمره بشيء غير العلم فأما الذي عزم على التجرد للعلم فأول مهم له معرفة الدليل وشروطه وذلك مما يطول الأمر فيه والوصول إلى اليقين والمعرفة في أكبر المطالب شديد لا يقدر عليه إلا الأقوياء المؤيدون بنور الله تعالى وهو عزيز الوجود جدا فنسأل الله تعالى العصمة من الضلال ، ونعوذ به من الاغترار بخيالات الجهال .
تم كتاب ذم الكبر والعجب والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم .