وفرقة أخرى منهم إلا من عصمه الله على الندور في بعض أطراف البلاد إن كان ، ولسنا نعرفه فاشتغلوا بالطامات والشطح وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل طلبا للإغراب . عدلوا عن المنهاج الواجب في الوعظ ، وهم وعاظ أهل هذا الزمان كافة
وطائفة شغفوا بطيارات النكت وتسجيع الألفاظ وتلفيقها فأكثر هممهم بالأسجاع والاستشهاد بأشعار الوصال والفراق وغرضهم أن تكثر في مجالستهم الزعقات والتواجد ، ولو على أغراض فاسدة ، فهؤلاء شياطين الإنس ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل ، فإن الأولين وإن لم يصلحوا أنفسهم فقد أصلحوا غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم .
وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن سبيل الله ، ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ الرجاء ، فيزيدهم كلامهم جراءة على المعاصي ، ورغبة في الدنيا لا سيما إذا كان الواعظ متزينا بالثياب والخيل ، والمراكب فإنه تشهد هيئته من فرقه إلى قدمه بشدة حرصه على الدنيا ، فما يفسده هذا المغرور أكثر مما يصلحه ، بل لا يصلح أصلا ، ويضل خلقا كثيرا ولا يخفى وجه كونه مغرورا .