الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الصنف الرابع أرباب الأموال والمغترون منهم فرق .

ففرقة منهم يحرصون على بناء المساجد ، والمدارس والرباطات والقناطر وما يظهر للناس كافة ويكتبون أساميهم بالآجر عليها ليتخلد ذكرهم ويبقى بعد الموت أثرهم ، وهم يظنون أنهم قد استحقوا المغفرة بذلك .

وقد اغتروا فيه من وجهين :

أحدهما : أنهم يبنونها من أموال اكتسبوها من الظلم والنهب والرشا والجهات المحظورة فهم قد تعرضوا لسخط الله في كسبها وتعرضوا لسخطه في إنفاقها وكان الواجب عليهم الامتناع عن كسبها فإذن ، قد عصوا الله بكسبها فالواجب عليهم التوبة والرجوع إلى الله ، وردها إلى ملاكها إما بأعيانها ، وإما برد بدلها عند العجز فإن عجزوا عن الملاك كان الواجب ردها إلى الورثة فإن لم يبق للمظلوم وارث فالواجب صرفها إلى أهم المصالح ، وربما يكون الأهم التفرقة على المساكين ، وهم لا يفعلون ذلك خيفة من أن لا يظهر ذلك للناس فيبنون الأبنية بالآجر وغرضهم من بنائها الرياء وجلب الثناء وحرصهم على بقائها لبقاء أسمائهم المكتوبة فيها لا لبقاء الخير .

والوجه . الثاني أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير في الإنفاق على الأبنية ، ولو كلف واحد منهم أن ينفق دينارا ولا يكتب اسمه على الموضع الذي أنفق عليه لشق عليه ذلك ولم تسمح به نفسه ، والله مطلع عليه كتب اسمه أو لم يكتب ولولا ، أنه يريد به وجه الناس ، لا وجه الله لما افتقر إلى ذلك .

التالي السابق


(الصنف الرابع أرباب الأموال)

وملاكها (والمغترون منهم فرق; ففرقة منهم يحرصون على بناء المساجد، والمدارس) ، والزوايا، والتكايا، (والرباطات) للصوفية، (والقناطر) والجسور في الطرق العامة المسلوكة، (وما يظهر للناس كافة) كالسبل، والخانات، ومكاتب الأطفال، والقبب على قبور الأولياء المشهورين، (ويكتبون أساميهم بالآجر عليها) ، وتارة على الرخام حفرا مع ذكر تاريخ عمارتها، وتارة يكتبون ما صرف عليها من الأموال (ليتخلد ذكرهم) ويدوم (ويبقى بعد الموت آثارهم، وهم يظنون أنهم قد استحقوا) بذلك (المغفرة) والعفو من الله تعالى (بذلك) الصنيع، (وقد اغتروا فيه من وجهين: أحدهما: أنهم يبنونها من أموال اكتسبوها من الظلم والنهب والرشا) جمع الرشوة (والجهات المحظورة) شرعا، (فهم قد تعرضوا لسخط الله في كسبها) ، فإن الجهات التي اكتسبها منها قد كرهها الله، (وتعرضوا لسخطه في إنفاقها) في هذه المواضع، (فكان الواجب عليهم الامتناع عن كسبها، فإذا قد عصوا الله بسكبها كان الواجب عليهم التوبة والرجوع إلى الله تعالى، وردها إلى ملاكها) الأصول، (إما بأعيانها، وإما برد بدلها عند العجز) كما شرط التوبة، (فإن عجزوا عن الملاك) بهلاك أو فقد (فكان الواجب ردها إلى الورثة) لانتقال الحق إليهم، (فإن لم يبق للمظلوم وارث) بأن لم يعرف، (فالواجب صرفها إلى أهم المصالح، وربما يكون الأهم التفرقة على المساكين من أهل بلده، وهم لا يفعلون ذلك خيفة من أن لا يظهر ذلك للناس فيبنون الأبنية بالآجر) والحجارة، (وغرضهم من بنائها الرياء وجلب الثناء) من الناس (وحرصهم على بقائهما لبقاء اسمهم المكتوب بها لا لبقاء [ ص: 486 ] الخير .

الوجه الثاني أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير في الإنفاق على الأبنية، ولو كلف واحد منهم أن ينفق دينارا ولا يكتب اسمه على الموضع الذي أنفق عليه لشق عليه ذلك) وصعب، (ولم تسمح نفسه به، والله مطلع عليه كتب اسمه أو لم يكتب، فلولا أنه يريد وجه الناس، لا وجه الله لما افتقر إلى ذلك) فهو قرينة قائمة على أصل نيته .




الخدمات العلمية