الرتبة الرابعة : وهم العارفون دون المقلدين ، وهم المقربون السابقون ، فإن المقلد وإن كان له فوز على الجملة بمقام في الجنة فهو من أصحاب اليمين ، وهؤلاء هم المقربون وما يلقى هؤلاء يجاوز حد البيان والقدر الممكن ذكره ما فصله القرآن فليس بعد بيان الله بيان ، والذي لا يمكن التعبير عنه في هذا العالم ، فهو الذي أجمله قوله تعالى : رتبة الفائزين ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وقوله عز وجل : والعارفون مطلبهم تلك الحالة التي لا يتصور أن تخطر على قلب بشر في هذا العالم ، وأما الحور والقصور والفاكهة واللبن والعسل والخمر والحلي ، والأساور فإنهم لا يحرصون عليها ، ولو أعطوها لم يقنعوا بها ولا يطلبون إلا لذة النظر إلى وجه الله تعالى الكريم ، فهي غاية السعادات ، ونهاية اللذات ; ولذلك قيل لرابعة العدوية رحمة الله عليها كيف رغبتك في الجنة ? فقالت : الجار ثم الدار فهؤلاء قوم شغلهم حب رب الدار عن الدار وزينتها ، بل عن كل شيء سواه حتى عن أنفسهم ، ومثالهم مثال العاشق المستهتر بمعشوقه المستوفي همه بالنظر إلى وجهه ، والفكر فيه فإنه في الحال الاستغراق غافل عن نفسه لا يحس بما يصيبه في بدنه ويعبر على هذه الحالة بأنه فني عن نفسه ، ومعناه أنه صار مستغرقا بغيره ، وصارت همومه هما واحدا وهو محبوبه ، ولم يبق فيه متسع لغير محبوبه حتى يلتفت إليه نفسه ، ولا غير نفسه وهذه الحالة هي التي توصل في الآخرة إلى قرة عين لا يتصور أن تخطر في هذا العالم على قلب بشر كما لا يتصور أن تخطر صورة الألوان والألحان على قلب الأصم والأكمه إلا أن يرفع الحجاب عن سمعه وبصره ، فعند ذلك يدرك حاله ، ويعلم قطعا أنه لم يتصور أن تخطر بباله قبل ذلك صورته ، فالدنيا حجاب على التحقيق ، وبرفعه ينكشف الغطاء فعند ذلك يدرك ذوق الطيبة وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فهذا القدر كاف في بيان توزع الدرجات على الحسنات والله الموفق بلطفه . أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر