بيان . ما تعظم به الصغائر من الذنوب
اعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب منها : الإصرار والمواظبة ولذلك قيل : لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار فكبيرة واحدة تنصرم ولا يتبعها مثلها لو تصور ذلك كان العفو عنها أرجى من صغيرة يواظب العبد عليها ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه ، وذلك القدر من الماء لو صب عليه دفعة واحدة لم يؤثر ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والأشياء تستبان بأضدادها وإن ، كان النافع من العمل هو الدائم وإن قل ، فالكثير المنصرم قليل النفع في تنوير القلب وتطهيره ، فكذلك القليل من السيئات إذا دام عظم تأثيره في إظلام القلب إلا أن الكبيرة قلما يتصور الهجوم عليها بغتة من غير سوابق ولواحق من جملة الصغائر ، فقلما يزني الزاني بغتة من غير مراودة ومقدمات وقلما يقتل بغتة من غير مشاحنة سابقة ومعاداة فكل كبيرة تكتنفها صغائر سابقة ولاحقة ، ولو تصورت كبيرة وحدها بغتة ، ولم يتفق إليها عود ربما كان العفو فيها أرجى من صغيرة واظب الإنسان عليها عمره ومنها أن يستصغر الذنب فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله تعالى ، ; لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهيته له ، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به ، واستصغاره يصدر عن الإلف به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب ، والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات ، والمحذور تسويده بالسيئات ; ولذلك لا يؤاخذ بما يجري عليه في الغفلة ; فإن القلب لا يتأثر بما يجري في الغفلة ، وقد جاء في الخبر خير الأعمال أدومها وإن قل وقال بعضهم : الذنب الذي لا يغفر قول العبد : ليت كل ذنب عملته مثل هذا . المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره