[ ص: 391 ] وأما الأسماء التي تعرف بها المذاهب والمقالات والطوائف سواء كانت مضافة إلى إمام المذهب فالذي يجب أن يحمد ما حمده الله ويذم ما ذمه الله تعالى، كالجهمية والأزارقة والكلابية والكرامية والأشعرية، أو كانت مضافة إلى قول أو عمل لهم، كما يقال الحرورية لاجتماعهم بحروراء، ويقال لهم الخوارج والمارقة لمروقهم من الإسلام، وكما يقال الرافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين لموالاته أبا بكر وكما [ ص: 392 ] يقال وعمر، المعتزلة لاعتزالهم أهل الجماعة من أصحاب ونحوهم، وكما يقال الحسن البصري المجسمة لاتباعهم لمن قال إنه جسم، وكما يقال معطلة لتعطيلهم الصفات إذ استلزم ذلك تعطيل الذات، وكما يقال الزنادقة، وهم [ ص: 393 ] المنافقون، فالواجب أن تكون تلك الأسماء هي بنفسها لا يعلق بها حمد ولا ذم إلا بما حمده القرآن وذمه، فالله تعالى هو الذي حمده زين وذمه شين، وإنما هذه الأسماء للتعريف كأسماء القبائل وليس لأحد أن يوالي المسمى بهذه الأسماء أو يعاديه مطلقا، إلا إذا كان المسمى بها كذلك في الشرع كالمنافق والملحد، فإن هذا من اتباع الأهواء أو من التفرق في الدين، بل [ ص: 394 ] يوالي من ذلك ما يحبه الله ورسوله ويعادي من ذلك ما ذمه الله ورسوله.
والجهمية هم الذين اتبعوا فيما ابتدعه في الإسلام، وكل ما ابتدعه ضلالة مخالفة للكتاب والسنة، ولهذا كان [كلام] جهما كله منكرا باتفاق السلف والأئمة؛ الجهم إذ ما لم يبتدعه لا يضيفه السلف إلى الجهم الجهمية، وأما الكرامية والكلابية والأشعرية فهؤلاء هم المتبعون لأئمتهم فيما رتبوه من المذاهب، وفي مذاهبهم ما هو صواب وخطأ، لكن لهؤلاء مقالات ابتدعوها لم يسبقوا إليها، فتلك المذاهب تضاف إلى صاحبها، وتذم مطلقا، كما يذم ما ابتدعه ابن كرام من جعل الإيمان هو مجرد قول اللسان بدون تصديق القلب، ويذم ما ابتدعه ابن كلاب من الكلام في الصفات، والكلام الذي وافق أهل السنة من وجوه كثيرة ووافق فيه والأشعري الجهمية من وجوه أخرى.
وإذا كان كذلك فلفظ المجسمة لا يوجد به ذكر في الكتاب والسنة وكلام السلف والأئمة لا بمدح ولا ذم، ولا يوجد أيضا ذم هذا المعنى الذي سميته أنت تجسيما في كلام أحد من سلف الأمة وأئمتها، وأما المذهب الذي ذكرته فهو الذي يسميه السلف مذهب الجهمية، وأول من ابتدعه في الإسلام [الجعد و]ذمه [ ص: 395 ] في كلام السلف وأئمتهم متواتر، ودلالة الكتاب والسنة على بطلان معانيه وذمها لا يحصى؛ فلا يستوي من ذمه الله ورسوله والمؤمنون بمن لا يوجد ذمه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام المؤمنين، ومما يوضح الأمر أن ذم الرافضة في كلام السلف والأئمة كثير جدا. ودلالة الكتاب والسنة على ذم خصائصها وبطلانها كثير جدا.
وقد علم العلماء أن كما ذكروا أن أول من ابتدع التجهم كان [ ص: 396 ] كذلك، ومع هذا فالمتكلمون الذين تكلموا في الجسم نفيا وإثباتا في عهد السلف أئمة النفاة منهم أو من أول من ابتدع الرفض في الإسلام بعض الزنادقة المنافقين، المعتزلة كأبي الهذيل وذويه وأئمة الإثبات منهم هم متكلمو الرافضة كهشام بن الحكم وذويه.