الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثامن: هب أن هؤلاء معتقدون كونه مركبا مؤلفا، فقد تقدم أن هذه ألفاظ مجملة ينفى بها الحق، كما ينفى بها الباطل، وليس على من اعتقد معنى صحيحا دل عليه القرآن والعقل واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها حرج، وإن كان ذلك المعنى يسمى في بعض الاصطلاحات تركيبا وتأليفا، فإن القول إما أن يذم للفظه لكون الشرع ورد بذمه، أو لمعناه المذموم في الشرع، ولفظ التركيب والتأليف ليس منفيا عن الله بهذا اللفظ في شيء من الكلام المقبول، ولا هو المعنى الذي يقصدونه هم بهذا اللفظ منفيا في شيء من هذا الكلام المقبول، لا في كلام الله ولا في كلام رسوله ولا كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، بل المعنى الذي ينفونه قد يوجد في كلام الله ورسوله وكلام سلف الأمة ما ينفيه مما لا يعلمه إلا الله.

وإذا كان كذلك لم يكن في اعتقاد لم يذمه الشرع عار وإنما العار فيما خالف الشرع، وأما العقل فقد تقدم أنهم مخالفون لضرورة العقل ونظره، وأن منازعهم لا يخالف العقل لا ضرورة ولا نظرا، وإنما خالف أقيسة فاسدة من جنس مقاييس المشركين الذين هم بربهم يعدلون، الذين سووا رب العالمين بما اتخذوه / من الأوثان، وهذه المقاييس هي بمنزلة الأوثان التي يجب أن [ ص: 400 ] يقال فيها كفرانك لاسبحانك، ويقال فيها ما قاله الخليل عليه السلام لقومه: إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده [الممتحنة: 4].

وإذا كان القياس الذي يسوى فيه بين الحق والباطل كقياس الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا ، وقياس الذين جعلوا المسيء كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيها من الشرك بقدر ذلك، كما قال تعالى: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام: 121] فكيف بقياس الذين يعدلون رب العالمين بالمعدومات والموتات، ويعدلونه بالموجودات التي ليست مثله في صفات الكمال ليعطلوا عنه صفات الكمال؟ فإنهم يعدلون به ويشركون في قياسهم من هذه الوجوه الثلاثة.

التالي السابق


الخدمات العلمية