الوجه الثامن- أنه قد ثبت بالسنة المتواترة وباتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام الذين ائتموا بهم في دينهم أن وقد دل على ذلك القرآن في مواضع، كما ذلك مذكور في مواضعه، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد اعتنى بجمعها أئمة: مثل الله سبحانه وتعالى يرى في الدار الآخرة بالأبصار عيانا، في "كتاب الرؤية" الدارقطني وأبي نعيم الأصبهاني، وطوائف كثيرون، وفي الصحيحين نحو عشرة أحاديث فيها أن رؤية الأبصار [ليست ] ممتنعة. وأبي بكر [ ص: 393 ] الآجري
والجهمية الذين يدخلون في هذا الاسم عند السلف [ ص: 394 ] كالمعتزلة والنجارية والفلاسفة ينكرون الرؤية، ويقولون: لأن ذلك يستلزم أن يكون بجهة من الرائي، وأن يكون جسما متحيزا، وذلك منتف عندهم. "ومسألة الرؤية" كانت هي أكبر المسائل الفارقة بين السنة المثبتة وبين الجهمية حتى كان علماء أهل الحديث والسنة يصنفون الكتب في الإثبات ويقولون "كتاب الرؤية" و "الرد على الجهمية " وكذلك الأحاديث التي تنكرها الجهمية من أحاديث الرؤية وما يتبعها، ويعدون من أنكر الرؤية معطلا.
قال في "كتاب السنة" (أخبرني [ ص: 395 ] الخلال حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: وأدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا -أحاديث الرؤية- وكانوا يحدثون بها على الجملة، يمرونها على حالها غير منكرين لذلك، ولا مرتابين. قال- وسمعت أبا عبد الله يقول: [ ص: 396 ] القوم يرجعون إلى التعطيل في قولهم؛ ينكرون الرؤية. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قالت الجهمية: إن الله لا يرى في الآخرة، ونحن نقول: إن الله يرى؛ لقول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22، 23 ]. وقال تعالى لموسى فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف: 143 ] فأخبر الله تعالى أنه يرى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر" جرير وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: [ ص: 397 ] و "كلكم يخلو به ربه" هذه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى صحيحة [ ص: 399 ] عن الله تعالى أنه يرى في الآخرة، أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدفوعة، والقرآن شاهد أن الله يرى يوم القيامة، وقول "إن الله يضع كنفه على عبده فيسأله [ ص: 398 ] ماذا عملت" إبراهيم لأبيه: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر [مريم: 42 ] فثبت أن الله يسمع ويبصر، وقال الله تعالى: يعلم السر وأخفى [طه: 7 ]. وقال: إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46 ]. وقال أبو عبد الله: فمن دفع كتاب الله ورده والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترع مقالة من نفسه، وتأول رأيه، فقد خسر خسرانا مبينا، وسمعت أبا عبد الله يقول: من قال: إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر، وكذب بالقرآن ورد على الله أمره، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وروي عن يعقوب بن بختان أنه سمع أبا عبد الله يقول: صارت محبتهم كفرا صراحا يقولون: إن الله تبارك وتعالى لا يرى في الآخرة، وسمعته يقول: كفرهم ضروب، [ ص: 400 ] وعن حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: إن الله لا يرى في الدنيا، ويرى في الآخرة ) فثبت في القرآن وفي السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.