قلت: فإن قوله: ولكان ذلك المحل غنيا عنه ليس بلازم؛ إذ الممكن لن يكون وجوده مستلزما لمحل يكون ذلك المحل محتاجا إليه وواجبا به لا بنفسه، فلا يكون فيما يسميه حاجة إلى ذلك المحل ما ينافي وجوبه بنفسه؛ لأن الحاجة هنا معناها الملازمة، كما يقوله في صفاته اللازمة. وأيضا فهو قد قدح في الحجة المانعة من وجود واجبين. وهذا المسلك إن دل فإنما يدل على أنه لا يحل في محل على طريق الحاجة إليه، وأما الحلول على غير طريق الحاجة فلا ينفيه هذا المسلك، فكيف وليس بمستقيم؛
وقد تقدم الكلام على هذا مبسوطا؛ وأن لهذا الكلام [ ص: 34 ] ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون ذلك المحل داخلا في صفات الرب كما تقدم بيان ذلك في لفظ الحيز. [إذ أريد به نهاية المتحيز، لكن قد يقال: لفظ المحل أخص من الحيز]، والنزاع في كونه في المحل لا يعني به هذا.
الثاني: أنه يراد بالمحل ما أراده هو بالحيز المنفصل عنه، وقد زعم هو في موضع أنه وجودي، والتحقيق أنه عدمي.
الوجه الثالث: أنه لو قدر أنه وجودي فالمقصود هنا أن استلزام ذاته لذلك المحل لا ينافي وجوبه لذاته، ولا يقتضي أنه ممكن مفتقر إليه؛ فإن المتفلسفة القائلين / بأن ذاته تستلزم لوجود العالم يعلمون أن ذلك لا ينافي وجوب وجوده بنفسه فهذا أولى، وإن كان انتفاء هذا المحل معلوما بأدلة أخرى عقلية أو سمعية؛ لكن المقصود بيان أنما ذكره ليس بدليل.
وإذا تبين أنه ليس لهم حجة صحيحة تنفي حلوله في المحل؛ إذا قالوا ليس مباينا للعالم بالجهة، كان قولهم حينئذ ليس هو حالا في العالم ولا العالم محلا له، إذا لم يقولوا بكونه مباينا للعالم؛ قولا بلا علم ولا حجة فلا يكون مقبولا، [ ص: 35 ] وكذلك يقتضي أنهم لا يثبتون له من المباينة قدرا زائدا على المباينة بالحقيقة والزمان، وأن كل من قال إنه ليس بخارج العالم لم يثبت مباينة زائدة على المباينة التي يشاركها فيها المحل والحال فيه، وهذا معلوم الفساد بالضرورة. كما تقدم.