فإذا أمر عبده بتطهير بيته -الذي يطاف به، ويصلى فيه وإليه، ويعكف عنده - من النجاسة: ألم يكن هو أحق بالطيب والطهارة والنزاهة من بيته، وبدن عبده وثيابه؟!
ولهذا كان هؤلاء الاتحادية والحلولية يصفونه بما توصف به الأجسام المذمومة، ويصرحون بذلك، وهؤلاء من أعظم الناس [ ص: 87 ] كفرا وشتما لله وسبا لله؛ وسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وحصل بما ذكره الأئمة أن هؤلاء الجهمية أصل قولهم الذي به يموهون على الناس إنما هو التنزيه، ويسمون أنفسهم "المنزهون" وهم أبعد الخلق عن تنزيه الله، وأقرب الناس إلى تنجيس تقديسه، وهذا يظهر بوجوه كثيرة؛ لكن المذكور هنا كونهم يقولون: إنه في كل مكان من الأمكنة النجسة القذرة؛ فأي تنزيه وتقديس يكون مع جعلهم له في النجاسات والقاذورات والكلاب والخنازير؛ بل وتصريحهم بذلك، حتى حدثني من شهد أحذق محققيهم التلمساني وآخر من [ ص: 88 ] طواغيتهم وقد اجتاز بكلب جرب ميت، فقال ذلك للتلمساني: وهذا الكلب أيضا ذلك؟ فقال: أو ثم شيء خارج عن الذات؟ وهذا التلمساني هو وسائر الاتحادية صاحب "الفصوص" وغيره كابن عربي الطائي وابن سبعين، وابن الفارض والقونوي صاحب شيخ ابن عربي التلمساني وسعيد [ ص: 89 ] الفرغاني إنما يدعون الكشف والشهود لما يخبرون عنه، وأن تحقيقهم لا يوجد بالنظر والقياس والبحث، وإنما هو شهود الحقائق وكشفها، ويقولون: ثبت عندنا في الكشف ما يناقض [ ص: 90 ] صريح العقل. ويقولون لمن يسلكونه: لابد أن يجمع بين النقيضين، وأن يخالف العقل والنقل. ويقولون: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا. ويقولون: لا فرق عندنا بين الأخوات والبنات والزوجات؛ فإن الوجود واحد؛ لكن هؤلاء المحجوبون، قالوا حرام. فقلنا: حرام عليكم. ومن شعر هذا التلمساني قبحه الله:
يا عاذلي أنت تنهاني وتأمرني والوجد أصدق نهاء وأمار فإن أطعك وأعصي الوجد عدت عمي
عن العيان إلى أوهام أخبار وعين ما أنت تدعوني إليه إذا
حققته تره المنهي يا جاري
يقول: أنت تدعوني إلى [أن] أعبد الله ولا أعبد غيره، وما ثم غيره؛ بل هو الذي تظنه غيرا. وقد / بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.
[ ص: 91 ] أصل ذلك أن علم الإنسان كله إنما يحصل بطريق الإحساس والمشاهدة الباطنة والظاهرة، أو بطريق القياس والاعتبار العقلي، أو بطريق السمع والخبر والكلام، كما قال تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [الإسراء: 36] والعبد الصادق يحصل له من المشاهدة الباطنة ما ينكشف له به أمور كانت مغطاة عنه، ويفهم من كلام الله ورسوله والسلف معاني يشهدها لم يكن قبل ذلك يشهدها؛ بل يظهر له قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ثم قال: أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد [فصلت: 53] أي: أو لم يكف بشهادته وعلمه التي أخبرهم عنها في كتابه؟
وهؤلاء المنافقون المرتدون الزنادقة ومن وقع في بعض ضلالاتهم من الغالطين الضالين هم في الشهود الذي يحصل لهم، ويجعلونه من جنس شهود المؤمنين، مثل ما هم في المخاطبة التي تقع لهم، ويجعلونها من جنس مخاطبة المؤمنين، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: فعمر" وقد رواه "إنه قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد في صحيحه من [ ص: 92 ] حديث البخاري إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال أبي هريرة ورواه البخاري: عن زكريا ابن أبي زائدة، سعد، عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: عائشة، منهم" عمر بن الخطاب قال "قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن تفسير "محدثون" ملهمون. قال [ ص: 93 ] ابن وهب: الصواب من حديث أبو مسعود الدمشقي إبراهيم بن سعد، عن كما ذكره أبي هريرة وأما حديث البخاري. عن ابن عجلان سعد، فإنه يقول فيه عن [كذلك رواه عنه الناس، ولا أعلم أحدا تابع عائشة، عن ابن وهب إبراهيم بن سعد في قوله عن عائشة].
[ ص: 94 ] قالوا والمخاطبة التي تقع لهؤلاء المنافقين والغالطين والمتشبهين بالمؤمنين هي من الشياطين التي تنزل على أمثالهم من كل أفاك أثيم، ومن حديث النفس؛ ولهذا يكثرون من الشعر والكهانة التي يقترن بأهلها الشياطين كثيرا، لابن عمر إن المختار يزعم أنه ينزل عليه، فقال: صدق: ولابن عباس: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين [الشعراء: 221] وقالوا للآخر: إنه يزعم أنه يوحى إليه، فقال: صدق: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم [الأنعام: 121] فلهم وحي وتنزيل؛ ولكن من الشياطين، كما تنزل على أشباههم من السحرة والكهان، وبينهم قدر مشترك في كثير من الأمور.