ومعلوم أن من تكلم كلاما كثيرا بما يظهر منه نقيض الحق ولم يتكلم بكلام يظهر فيه الحق: لم يكن هاديا إلى الحق [ ص: 312 ] ولا مبينا له ولا دالا على الحق، بل كان سكوته عما يدل على الباطل كما سكت عما يدل على الحق خيرا مما يتكلم بما يدل على الباطل ويسكت عما يدل على الحق، وهذا مقتضى قول المؤسس وموافقيه، وحينئذ فيكون عدم الكتاب والرسول / في هذا الباب الذي هو من أعظم أصول الدين على قولهم، خيرا وأنفع للخلق من وجود الكتاب والرسول؛ فإن الكتاب والرسول على قولهم لم يهدهم إلى الحق في ذلك ولا بينه ولا سكت أيضا عما يدل على الباطل حتى يكونوا كما كانوا عليه في الجاهلية، بل تكلم بكلام كثير يدل على الباطل عندهم، وهذا لازم لهؤلاء لزوما لا محيد عنه، وإن كان منهم من لا يهتدي إلى هذا الضلال الذي وقعوا فيه، وهذا الكفر الذي لزمهم، ولو اهتدى إلى ذلك لرجع عن قوله، ولهذا لم يحكم بكفر من يتكلم بما هو كفر إن لم تقم عليه الحجة البلاغية، إذ قد لا يكون علم ما جاء به الرسول في ذلك، ومن هؤلاء من قد يظن أن قول حزبه عليه دليل من كتاب أو سنة أو أثر عن بعض السلف، فإذا عرف أن هذا القول الذي يقولونه من أنه ليس فوق العرش ولا فوق العالم لم يدل عليه الكتاب ولا السنة ولا قاله أحد من سلف الأمة وأئمتها أهل القرون الثلاثة الفاضلة، بل نطقوا بنقيض ذلك، كما هو معروف في موضعه، تبين له أنهم ضلال مخالفون لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المؤمنين السابقين، ومن علم أن قولهم مخالف لذلك [ ص: 313 ] واتبعه كفر كما كفرهم السلف والأئمة. ومعلوم أن هذا القول كفر صريح بالكتاب والرسول، وكل قول يستلزم الكفر فهو من أعظم الباطل والضلال، بل هو كفر،