الوجه السادس: أن هذه الآيات ليس فيها ما يعارض تلك الآيات بوجه من الوجوه، كما تقدم حكاية أقوال الأئمة، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام مفصلا إذا ذكرنا قوله مبسوطا، وهو الله في السماوات وفي الأرض [الأنعام: 3] ليس ظاهرها أن ذاته في السموات والأرض، فإنه لم يقل: (وهو في السموات) وإنما قال: وهو الله فالظرف متعلق باسم الله، فيكون بمنزلة قوله: فإن قوله: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [الزخرف: 84] وأما آيات المعية فنحن نعلم بالاضطرار من لغة العرب أنها لا تقتضي أن الله تعالى مختلط بالخلق ممتزج بهم، [ ص: 315 ] بل عامة ما استعمل فيه لفظ (مع) في القرآن لا يدل على ذلك، لا في الله تعالى ولا في حق المخلوق، وإنما يدل على المقارنة والمصاحبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وكون الشيء مقارنا لغيره أو مصاحبا له لا يمنع أن يكون فوقه ولا يجب أن تكون ذاته مختلطة ممتزجة بذاته، وإذا لم يكن لفظ (مع) في جميع القرآن يدل على الممازجة والمخالطة علم أن ذلك ليس مدلول هذه الكلمة، بل كون الشيء مع الشيء على أي وجه قيل لا يمنع أن يكون فوقه، ولا يوجب أن يكون تحته، وإذا لم يكن بين الآيات تناف. لم تصلح المعارضة بها، وأما قوله تعالى: "اللهم أنت الصاحب في السفر" ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فلا منافاة أيضا بين علوه وبين قربه إن أريد بهذه الآية الله سبحانه وتعالى، وأما إن أريد بها الملائكة اندفعت المعارضة من كل وجه، وقد تكلمنا على قربه في جواب الأسولة المصرية [ ص: 316 ] كلاما مبسوطا وحينئذ فلا حاجة إلى تأويل شيء من هذه الآيات.