ولما جوز النبي صلى الله عليه وسلم اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب بالسعر ، مع أن الثمن دين في الذمة لم يقبض ، دل على جواز ، فجوز ذلك في جميع الديون دين السلم وغيره ، كما جوزه بيع الدين ممن هو عليه بالسعر ابن عباس في إحدى الروايتين وأحمد على تفصيل له . ومالك
والذين قالوا : لا يجوز ، كأبي حنيفة والمشهور عن والشافعي عند أصحابه ، قالوا : لأنه بيع غير مقبوض ، فلا يجوز بيعه قبل القبض وإن باعه ممن هو عليه ، كما قالوا مثل ذلك في بيع الأعيان . [ ص: 309 ] أحمد
وقد تقدم أن المحذور هو الربح ، فإذا باعه ممن هو عليه بلا ربح جاز ذلك ، كما قاله وغيره ، وجوز التولية فيه . وإن كان أحمد في إحدى الروايتين يجوز بيع دين السلم ممن هو عليه بالسعر ، فكذلك يقال في بيع الأعيان قبل القبض ممن هو عليه بطريق الأولى . مالك جوزه بالسعر ، وقال : لا يربح مرتين . وابن عباس
كذلك يخرج في التولية والشركة ، إذ لا ربح هناك ، وأي فرق بين دين السلم والثمن وكلاهما عوض في الذمة ؟ وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم الاعتياض عنه بسعر يومه . يعتبر هذا الشرط هو وأحمد وغيرهما ، ومالك لا يعتبره . والحديث يدل على الأصلين : على بيع الدين ممن هو عليه وإن كان عوضا ، وعلى أنه لا يبيعه بربح . وكذلك سائر الديون ، كبدل القرض وغيره . وأبو حنيفة
وقد اضطرب الناس في في حكم النهي في مورده ، وما يقاس بالطعام ، وعن بيع ما لم يقبض فيه عدة روايات . أحمد
من يجعل العلة توالي الضمانين ، كأبي حنيفة والشافعي في قول ، يقولون : إن السلعة مضمونة على البائع قبل القبض ، فإذا باعها المشتري صارت مضمونة للمشتري الثاني على المشتري الأول ، فتوالى الضمانان . وهذه علة ضعيفة ، فإنه إذا تلف انفسخ العقدان ، ورجع كل واحد بثمنه . [ ص: 310 ] وأحمد
استثنى العقار ؛ لأنه مضمون عنده بالعقد إذا كان لا ينقل ويحول ، ولو باع الشقص المشفوع من شخص ، ثم باعه من شخص جاز ، وإن أخذه الشريك بالشفعة انفسخت تلك العقود . وهذا فيه توالي ضمانات متعددة . وأبو حنيفة
ومالك في رواية يخص النهي بالطعام لشرفه ، لكن إذا كانت العلة أنه ربح من غير تجارة فجميع السلع سواء . وأحمد
في المشهور عنه يقول : إن المعين يدخل في ضمان المشتري بتمكينه من قبضه ، سواء قبضه أو لم يقبضه ، ومع هذا يقول في إحدى الروايتين -وهي التي اختارها الخرقي- : إنه لا يبيعه حتى ينقله . فالقبض عنده قبضان : قبض ينقل الضمان ، وقبض يبيح البيع ، فالصبرة إذا لم ينقلها هي من ضمانه لأنها معينة ، ولا يربح فيها حتى ينقلها . وغلة الثمار هي مضمونة على البائع إذا أصابتها جائحة ، ويجوز للمشتري أن يبيعها على الشجر في ظاهر مذهبه إذا خلي بينه وبينها . فهنا قبضان : قبض لا يبيح البيع والربح ، وقبض ينقل الضمان . وأحمد