فصل
* وأما الأبدال، فقد جاء فيهم ما رواه في مسنده من طريق الشاميين، وإسناده منقطع، عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: علي بن أبي طالب [ ص: 44 ] لا تسبوا أهل الشام; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن فيهم الأبدال، أربعون رجلا، كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا».
وهذا ليس بصحيح.
وفي غير هذا الحديث عن طائفة أنهم يجعلون من الأبدال من هو في غير الشام.
وقد فسر الناطقون بهذا الاسم بمعان: معنى «الأبدال»
- فمن الناس من يقول: سموا أبدالا لأنهم أبدال الأنبياء.
- وقيل: كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
فكيف يعتقد أن الأبدال جميعهم في أهل الشام؟! هذا باطل قطعا.
- وقيل: لأنهم بدلوا سيئاتهم حسنات.
وفي الجملة، فليس هذا الاسم من الدين الذي يجب الاعتناء به، ولا أصل له معتمدا في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي تعلق القلب به وبأمثاله من الأمور المجهولة التي ليس لها أصل ثابت في العلم الثابت المروي عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
فإن الله تعالى يقول: ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم [الأحقاف: 4]، فمن لم يأت على ما يقوله في الدين بكتاب من عند الله أو أثارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فهو مبطل.
وقد قال تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [الشورى: 21].
[ ص: 45 ] وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء: 59]; فكل شيء تنازع فيه المسلمون من أمر دينهم الباطن والظاهر، فعليهم رده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن الله يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة: 3]، فإذا كان الله قد أكمل لهذه الأمة دينها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب أن يؤخذ جميع الدين من الرسول.
والدين يتناول الأمور الباطنة في القلب، والظاهرة على الأجسام، فكل ما يتقرب به إلى الله من الأمور الباطنة والظاهرة إن لم يكن مأخوذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا كان من البدع المضلة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
وكان يقول في خطبته: [ ص: 46 ] «إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة».
فكل من أخذ دينه عن المجهولات صار في جاهلية وبدعة وضلالة.
قال رضي الله عنه: عمر بن عبد العزيز «من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح».
وقد قال الله في كتابه تعليما لنا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [الفاتحة: 6 – 7].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».
قال «كانوا يقولون: من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى». [ ص: 47 ] سفيان بن عيينة:
وذلك أن اليهود كانوا يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ولا يتبعونه. والنصارى عبدوا الله بغير علم ولا شرع، بل كما قال الله تعالى: ورهبانية ابتدعوها [الحديد: 27].
فمن فعل ما ذمه الله من اليهود، مثل الكبر، والحسد، وكتمان العلم، واتباع سبيل الغي، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وجحد الحق الذي يجيء به غير أصحابهم، ونحو ذلك، ففيه من الشبه بهم بقدر ذلك.
ومن فعل ما ذمه الله من النصارى، مثل الغلو في الأنبياء والصالحين، وابتداع العبادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وترك دين الحق الذي شرعه الله لعباده، وترك تحريم ما حرمه الله ورسوله، واتباع الأهواء بغير علم ولا هدى، ووضع الشرائع بحكاية أو منام، ونحو ذلك من أمور الضلال ففيه من شبه النصارى بقدر ذلك.
وهذا باب يطول شرحه، وإنما ذكرنا ما تحتمل هذه الفتوى. [ ص: 48 ]