[ ص: 485 ] وسئل رضي الله عنه: أيما أفضل: العالم العامل، أو المجاهد المخلص؟
فأجاب رضي الله عنه: إن الله تعالى قال في كتابه: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات: 13].
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الناس أكرم؟ فقال: «أتقاهم».
فأي الرجلين كان أتقى لله فهو أكرم على الله.
والله جعل عباده المنعم عليهم أربعة أصناف، فقال تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين [النساء: 69].
فالصديق أفضل من الشهيد الذي ليس بصديق، والشهيد أفضل من الصالح الذي ليس بشهيد. [ ص: 486 ]
وقد يكون الرجل صديقا وشهيدا وصالحا، كما يكون نبيا وصديقا وشهيدا وصالحا، قال تعالى: واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا [مريم: 41]، وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين [الشعراء: 83]، وقال يوسف الصديق صلى الله عليه وسلم: توفني مسلما وألحقني بالصالحين [يوسف: 101].
فإن كان العالم صديقا، والمجاهد ليس بصديق، فالصديق أفضل. وكذلك بالعكس، إن كان المجاهد صديقا، وذاك ليس بصديق، فالصديق أفضل.
ولا يكون الرجل عالما عاملا بعلمه حتى يكون مجاهدا مخلصا، ولا يكون الرجل مجاهدا مخلصا حتى يكون معه علم بما أمر الله به وعمل بما أمر الله به.
والجهاد يكون باللسان، والدعوة إلى الله، واليد. والجهاد فيه علم وعمل.
فلا يتميز شخصان ليس في أحدهما جهاد وإخلاص، ولا في الآخر علم وعمل، حتى يفصل بينهما.
لكن قد يكون جهاد هذا بالقتال وعمله في ذلك أظهر، وقد يكون علم هذا الظاهر النافع للناس أكبر، وحينئذ فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا [ ص: 487 ] أفضل، أيهما كان أتقى لله فهو أفضل.
ومن جمع الجهاد باللسان، والدعوة، والسياسة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، مع العلم والعمل به، فهو أفضل من هذا وهذا، ومن كان أشبه بهم فهو أفضل من غيره، والله أعلم.
* * *