، فقال تعالى : وأمر بتلاوته ، والتلاوة تجمع معنى التدبر والاتباع ومعنى السماع اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق :1] ، فهذا أول ما نزل ، أمر فيه بالقراءة والصلاة . وقال : اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة [العنكبوت :45] ، وقال : والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة [الأعراف :170] ، وقال تعالى : إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم [فاطر :29] ، [وقال] : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا [الإسراء :78] ، وقال تعالى : يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا [المزمل :1 - 2] إلى قوله : واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا [المزمل :8] إلى قوله : إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه [المزمل :20] إلى قوله : فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه [ ص: 39 ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا [المزمل :20] . وقال تعالى . . .
وذم الذين يعرضون عن سماعه وتدبره إلى سماع غيره ، فقال تعالى : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [فصلت :26] ، وقال تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم [لقمان :6 - 7] . هذا في لقمان ، وفي الجاثية : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين [الجاثية :6 - 9] . وقد روي عن طائفة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس أنهم تأولوا آية لقمان في وجابر وروي في ذلك حديث مرفوع ، رواه سماع الغناء . من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تعم [ ص: 40 ] ذلك وغيره على ما هو مقرر في موضع آخر . الترمذي
ثم ذم الذين يعرضون عن سماعه . . .
وقال تعالى : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما إلى قوله : والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا [الفرقان :63 - 73] . وقد روي في ذلك آثار تنص أن الغناء من ذلك ، وكذلك الأقوال المزخرفة ، كقوله : يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [الأنعام :112] . فنزه عباد الرحمن عن حال السماعية والكلامية المبطلين ، ثم قال : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا [الفرقان :73] ، فوصفهم بالبصر والسمع ، ليسوا صما كالمعرضين عن سماع الآيات ، ولا عميا كالمعرضين عن البصر فيها . فإن أهل السمع والإصغاء الذين لا يسمعون كلام الله ويصغون إليه وينتفعون به وإن كانوا مصغين إلى سماع شيء آخر ، وأهل النظر والذكاء الذين لا ينظرون في كلام الله ويبصرونه وينتفعون به أهل عمى وإن كان لهم نظر وبصر في كلام آخر .
فتدبر كيف وصفهم بالإقبال على كلام الله سمعا وبصرا ، والإعراض عن الزور واللغو سمعا وقولا ، فمن وافقهم في النعتين فهو [ ص: 41 ] المؤمن المستقيم ، ومن خالفهم فيهما فهو المنافق والكافر ، ومن شركهم في الحق الذي فعلوه وفعل الباطل الذي تركوه ، كحال كثير من الفقهاء والمتكلمين والعباد والصوفية ، فهو محمود بما فيه من الحق مذموم بما فيه من الباطل ، وإن كان قد يغفر له لاجتهاد أو تقليد .
ولما كان ، كما قال الله تعالى : جماع الخير في القرآن والإيمان وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى :52] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين عن أبي موسى : » . «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب ولا طعم لها ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها
وضد ذلك النفاق والشعر والكذب ، كما قال تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث [لقمان :6] ، وقال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل . . . [ ص: 42 ] عبد الله بن مسعود