ترد لمعان : " إن " المكسورة الخفيفة
الأول : الشرطية وهو الكثير ، نحو : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ( الأنفال : 29 ) . ( إن ينتهوا يغفر لهم ) ( الأنفال : 38 ) . ثم الأصل في عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط كقوله : ( إن كنت قلته فقد علمته ) ( المائدة : 116 ) وعيسى عليه السلام جازم بعدم وقوع قوله .
وقد تدخل على المتيقن وجوده إذا أبهم زمانه كقوله تعالى : ( أفإن مت فهم الخالدون ) ( الأنبياء : 34 ) . وقد تدخل على المستحيل ، نحو : ( إن كان للرحمن ولد ) ( الزخرف : 81 )
أنها للاستقبال ، وأنها تخلص الفعل له ، وإن كان ماضيا كقولك : إن أكرمتني أكرمتك ، ومعناه : إن تكرمني . وأما قولهم : إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك [ ص: 192 ] أمس ، وقوله : ( ومن أحكامها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت ) ( يوسف : 26 ) فقيل : معنى إن أكرمتني اليوم ، يكون سببا للإخبار بذلك ، وإن ثبت كان قميصه قد من قبل ، يكون سببا للإخبار بذلك . قاله . وهي عكس " لو " فإنها للماضي ، وإن دخلت على المضارع . ابن الحاجب
( " يكن الجزم بلم ، لا بها كقوله تعالى : ( مسألة ) إن دخلت " إن " على " لم وإن لم ينتهوا ) ( المائدة : 73 ) ( فإن لم تفعلوا ) ( البقرة : 24 ) وإن دخلت على " لا " كان الجزم بها لا بـ " لا " ، كقوله تعالى : ( وإلا تغفر لي ) ( هود : 47 )
والفرق بينهما أن " لم " عامل يلزم معموله ، ولا يفرق بينهما بشيء ، وإن يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول معمولها ، نحو : إن زيدا يضرب أضربه . وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ، ولا تفارق العمل ، وأما " لا " فليست عاملة في الفعل فأضيف العمل إلى " إن " .
( كقوله في الأنعام : ( الثاني ) : النافية بمنزلة " لا " ، وتدخل على الجملة الاسمية إن هي إلا حياتنا الدنيا ) ( الآية : 29 ) بدليل " ما " في الجاثية : ( ما هي إلا حياتنا الدنيا ) ( الآية : 24 ) . وقوله : ( إن أنت إلا نذير ) ( فاطر : 23 ) . ( إن الكافرون إلا في غرور ) ( الملك : 20 ) . ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) ( الطارق : 4 ) . ( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) . ( المجادلة : 2 ) ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) ( مريم : 93 ) . ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) [ ص: 193 ] ( إبراهيم : 11 ) . إن أنتم إلا بشر مثلنا ( إبراهيم : 10 ) . وعلى الجملة الفعلية نحو : إن أردنا إلا الحسنى ( التوبة : 107 ) إن يقولون إلا كذبا ( الكهف : 5 ) . إن يدعون من دونه إلا إناثا ( النساء : 117 ) . وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( الإسراء : 52 ) . إن كانت إلا صيحة واحدة ( يس : 29 ) . بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 93 ) .
وزعم بعضهم أن شرط النافية مجيء إلا في خبرها كهذه الآيات ، أو لما التي بمعناها كقراءة بعضهم : إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) بتشديد الميم أي ما كان نفس إلا عليها حافظ . وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( يس : 32 ) . وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) . ورد بقوله وإن أدري لعله فتنة لكم ( الأنبياء : 111 ) . وإن أدري أقريب أم بعيد ( الأنبياء : 109 ) . إن عندكم من سلطان ( يونس : 68 ) . بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 93 ) . وأما قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( النساء : 159 ) فالتقدير : وإن أحد من أهل الكتاب . وأما قوله : ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ( فاطر : 41 ) فالأولى شرطية والثانية نافية ، جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى ، وجواب الشرط محذوف وجوبا .
واختلف في قوله : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ( الأحقاف : 26 ) فقال الزمخشري : إن نافية ، أي فيما ما مكناكم فيه إلا أن " إن " أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ، ومثله يتجنب . قالا : ويدل على النفي [ ص: 194 ] قوله تعالى : وابن الشجري ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( الأنعام : 6 ) . وحكى أنها زائدة قال : والأول أفخم . الزمخشري
وقال ابن عطية : ما بمعنى الذي ، وإن نافية وقعت مكان ما ، فيختلف اللفظ ولا تتصل ما بـ ( ما ) ، والمعنى لقد أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ، ونالهم بسبب كفرهم هذا العقاب ، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم . وقيل : ( إن ) شرطية ، والجواب محذوف ، أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم . وقال : وهذا مطرح في التأويل . وعن قطرب أنها بمعنى قد . حكاه . ويحتمل النكرة الموصوفة . ابن الشجري
واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية ، وقال في الآيات السابقة إن ( ما ) محذوفة ، والتقدير : ما إن الكافرون إلا في غرور ، ما إن تدعون ، ما إن أدري ، ونظائرها كما قال الشاعر :
وما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
فحذفت ( ما ) اختصارا كما حذف ( لا ) في تالله تفتأ تذكر يوسف ( يوسف : 85 ) .
[ ص: 195 ] ( الثالث ) : مخففة من الثقيلة فتعمل في اسمها وخبرها ، ويلزم خبرها اللام كقوله تعالى : وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( هود : 111 ) . ويكثر إهمالها نحو : وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) ( يس : 32 ) . إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) في قراءة من خفف لما ، أي أنه كل نفس لعليها حافظ .
( الرابع ) للتعليل بمعنى ( إذ ) عند الكوفيين كقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( آل عمران : 139 ) قال بعضهم : لم يخبرهم بعلوهم إلا بعد أن كانوا مؤمنين . وقوله : اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 278 ) .
قال بعضهم : لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين . وكذا وإن كنتم في ريب ( البقرة : 23 ) ونحوه مما الفعل فيه محقق الوقوع ، والبصريون يمنعون ذلك ، وهو التحقيق كالمعنى مع إذا .
وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكتة ، وهي أنه من باب خطاب التهييج نحو : إن كنت ولدي فأطعمني . وأما قوله : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( الفتح : 27 ) فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة ، والاستثناء من الداخلين ، لا من الرؤيا ; لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها سنة ، ومات بينهما خلق كثير فكأنه قال : كلكم إن شاء الله .
( الخامس ) : بمعنى ( لقد ) في قوله : إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( يونس : 29 ) [ ص: 196 ] أي لقد كنا . إن كان وعد ربنا لمفعولا ( الإسراء : 108 ) . و تالله إن كدت لتردين ( الصافات : 56 ) . تالله إن كنا لفي ضلال مبين ( الشعراء : 97 )