الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
67 - لكن

للاستدراك مخففة ومثقلة ، وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق ، تقول : ما زيد شجاعا ولكنه كريم ، فرفعت بلكن ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له لكونهما [ ص: 334 ] كالمتضايفين ، فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء ، وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه ما ، فلا يجوز وقوعها بين متوافقين ، وقوله تعالى : ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ( الأنفال : 43 ) لكونه جاء في سياق لو ، ولو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى ، فلما قيل : ولكن الله سلم علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم ، وهو نفي الرؤية ، فعلم أن المعنى ، ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلمكم فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه .

قال ابن الحاجب : الفرق بين بل ولكن ، وإن اتفقا في أن الحكم للثاني ، أن " لكن " وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما ، ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد ، وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا ، كقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو ، ولو قلت : جاءني زيد لكن عمرو ، لم يجز لما ذكرنا . وأما بل فللإضراب مطلقا ، موجبا كان الأول أو منفيا .

وإذا ثقلت فهي من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر ، ولا يليها الفعل .

وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى : لكنا هو الله ربي ( الكهف : 38 ) وهو ضمير الرفع فجوابه أنها هنا ليست المثقلة بل هي المخففة ، والتقدير لكن أنا هو الله ربي ، ولهذا تكتب في المصاحف بالألف ، ويوقف عليها بها ، إلا أنهم ألقوا حركة الهمزة على النون ، فالتقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية ، وموضع " أنا " رفع [ ص: 335 ] بالابتداء ، وهو مبتدأ ثان ، والله مبتدأ ثالث ، وربي خبر المبتدأالثالث ، والمبتدأ الثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني هو خبر الأول ، والراجع إلى الأول الياء .

ثم المخففة قد تكون مخففة من الثقيلة فهي عاملة ، وقد تكون غير عاملة فيقع بعدها المفرد ، نحو ما قام زيد لكن عمرو ، فتكون عاطفة على الصحيح ، وإن وقع بعدها جملة كانت حرف ابتداء .

وقال صاحب البسيط : إذا وقع بعدها جملة فهل هي للعطف أو حرف ابتداء . قولان ، كقوله تعالى : لكن الله يشهد ( النساء : 166 ) . قال : ونظير فائدة الخلاف في جواز الوقف على ما قبلها ، فعلى العطف لا يجوز ، وعلى كونها حرف ابتداء يجوز . قال : وإذا دخل عليها الواو انتقل العطف إليها وتجردت للاستدراك .

وقال الكسائي : المختار عند العرب تشديد النون إذا اقترنت بالواو ، وتخفيفها إذا لم تقترن بها ، وعلى هذا جاء أكثر القرآن العزيز ، كقوله تعالى : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( الأنعام : 33 ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( الأعراف : 131 ) لكن الله يشهد ( النساء : 166 ) لكن الرسول والذين آمنوا ( التوبة : 88 ) .

لكن الذين اتقوا ( آل عمران : 198 ) . لكن الظالمون اليوم ( مريم : 38 ) . وعلل الفراء ذلك بأنها مخففة تكون عاطفة فلا تحتاج إلى واو معها كـ " بل " ، فإذا كان قبلها واو لم تشبه بل ؛ لأن بل لا تدخل عليها الواو ، وأما إذا كانت مشددة فإنها تعمل عمل إن ولا تكون عاطفة .

[ ص: 336 ] وقد اختلف القراء في ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ( الأحزاب : 40 ) فأكثرهم على تخفيفها ونصب " رسول الله " بإضمار كان أو بالعطف على أبا أحد . والأول أليق ، لكن ليست عاطفة لأجل الواو ، فالأليق لها أن تدخل على الجمل كـ " بل " العاطفة . وقرأ أبو عمرو بتشديدها على أنها عاملة ، وحذف خبرها ، أي ولكن رسول الله هو أي محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية