الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
37 - سوف

حرف يدل على التأخير والتنفيس ،
وزمانه أبعد من زمان السين لما فيها من إرادة التسويف . ومنه قيل : فلان يسوف فلانا ، قال تعالى : وسوف تسألون ( الزخرف : 44 ) . [ ص: 247 ] وقال : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم ( البقرة : 142 ) فقرب القول .

وممن صرح بالتفاوت بينهما الزمخشري ، وابن الخشاب في " شرح الجمل " ، وابن يعيش ، وابن أبان ، وابن بابشاذ ، وابن عصفور وغيرهم .

ومنع ابن مالك كون التراخي في " سوف " أكثر بأن الماضي والمستقبل متقابلان ، والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان أو بعده ، فكذا المستقبل ليجري المتقابلان على سنن واحد ، ولأنهما قد استعملا في الوقت الواحد ، وقال تعالى في سورة عم : كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ( النبأ : 4 - 5 ) وفي سورة التكاثر : كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ( الآية : 3 - 4 ) . وقوله : وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ( النساء : 146 ) . وفي موضع آخر سوف يؤتيهم أجورهم ( النساء : 152 ) . قلت : ولا بد من دليل على أن قوله تعالى : وسوف يؤت الله المؤمنين ( النساء : 146 ) وقوله : فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ( النساء : 175 ) معبر به عن معنى واحد .

ولمانع أن يمنعه مستندا إلى أن الله تعالى وعد المؤمنين أحوال خير في الدنيا والآخرة ، فجاز أن يكون ما قرن بالسين لما في الدنيا ، وما قرن بسوف لما في الآخرة ، ولا يخفى خروج قوله : كلا سيعلمون ( النبأ : 4 ) وقوله : كلا سوف تعلمون ( التكاثر : 3 ) عن دعواه لأن الوعد والوعيد مع " سوف " لا إسكان فيه ، ومع السين للمبالغة وقصد تقريب الوقوع ، بخلاف ( سيقوم زيد ) ، ( وسوف يقوم ) مما القصد فيه الإخبار المجرد .

[ ص: 248 ] وفرق ابن بابشاذ أيضا بينهما بأن " سوف " تستعمل كثيرا في الوعيد والتهديد ، وقد تستعمل في الوعد . مثال الوعيد : وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ( الفرقان : 42 ) و كلا سوف تعلمون ( التكاثر : 4 ) .

وأمثالها في الوعد : ولسوف يعطيك ربك فترضى ( الضحى : 5 ) فأما قوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( المائدة : 54 ) لتضمنه الوعد والوعيد جميعا ، فالوعد لأجل المؤمنين المحبين ، والوعيد لما تضمنت من جواب المرتدين بكونهم أعزة عليهم وعلى جميع الكافرين .

والأكثر في السين الوعد ، وتأتي للوعيد . مثال الوعد : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( مريم : 96 ) . ومثال الوعيد : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( الشعراء : 227 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية