الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
53 - كلا وكلتا

هما توكيد الاثنين ، وفيهما معنى الإحاطة ; ولهذا قال الشيخ الراغب : هي في التثنية ككل في الجمع ، ومفرد اللفظ مثنى المعنى ، عبر عنه مرة بلفظه ، ومرة بلفظ الاثنين اعتبارا بمعناه ، قال تعالى : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( الإسراء : 23 ) .

قلت : لا خلاف أن معناها التثنية ، واختلف في لفظها فقال البصريون : مفردة ، وقال الكوفيون : تثنية .

والصحيح الأول ، بدليل عود الضمير إليها مفردا في قوله : كلتا الجنتين آتت ( الكهف : 33 ) فالإخبار عن كلتا بالمفرد دليل على أنها مفرد ، إذ لو كان مثنى لقال : آتتا ، ودليل إضافتها إلى المثنى في قوله : أحدهما أو كلاهما ( الإسراء : 23 ) ولو كان [ ص: 282 ] مثنى لم يجز إضافته إلى التثنية ؛ لأنه لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه ، والفصيح مراعاة اللفظ ؛ لأنه الذي ورد به القرآن ، فيقال : كلا الرجلين خرج ، وكلتا المرأتين حضرت .

وقد نازع بعض المتأخرين وقال : ليس معناه التثنية على الإطلاق كما ذكره النحاة ، ولو كان كذلك لكثرت مراعاة المعنى ، كما كثرت مراعاته في " من " و " ما " الموصولتين ، لكن أكثر ما جاء في لسان العرب عود الضمير مفردا كقوله تعالى : كلتا الجنتين آتت ( الكهف : 33 ) وما جاء فيه مراعاة المعنى في غاية القلة .

قال : فالصواب أن معناها مفرد صالح لكل من الأمرين المضاف إليهما ، وأما مراعاة التثنية فيه فعلى سبيل التوسع ، ووجه التوسع أن كل فرد في جانب الثبوت معه غيره . فجاءت التثنية بهذا الاعتبار ، فالإفراد فيه مراعاة المعنى واللفظ ، والتثنية مراعاة المعنى من بعض الوجوه

( فائدة ) . وقع في شعر أبي تمام كلا الآفاق ، وخطأه المعري ، لأن كلا يستعمل في الاثنين لا الجمع .

قال : ولم يأت في المسموع كلا القوم ، ولا كلا الأصحاب ، وإنما يقال : كلا الرجلين ونحوه ، فإن أخذ من الكلأ من قولك : كلأت الشيء إذا رعيته وحفظته ، فالمعنى يصح إلا أن المتكلم يقصر ، وهي ممدودة .

التالي السابق


الخدمات العلمية